منصور النقيدان
في سبتمبر 2009، شاركت بورقة عن «تطور مفهوم الجهاد عند الوهابية»، وكان المؤتمر الذي عقد في جامعة إدنبره عن تطور مفهوم الجهاد في الإسلام، قد احتفى بشكل خاص بالقرضاوي الذي لم يحضر، وبرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي تبرع بإلقاء كلمة القرضاوي عن الجهاد الحضاري المعاصر، وبإلقاء ورقته الخاصة أيضاً عن الجهاد عند القرضاوي، وجاء عقد المؤتمر متواكباً مع نشر كتاب القرضاوي «فقه الجهاد»، الذي قوبل بحفاوة كبيرة، من الإسلاميين العرب المشاركين، ومن بعض الباحثين الأجانب الذين اعتبروا الكتاب فتحاً جديداً ونقلة حضارية. كان القرضاوي قد مال في كتابه إلى تعطيل مفهوم الجهاد التقليدي «جهاد الابتداء» مكتفياً بجهاد الدفع، داعياً إلى ما سماه جهاد التنمية والسباق الحضاري. كان كل شيء يوحي بالاحتفال، وبالغبطة المفرطة، وبالنشوة التي انطبعت على محيا جمهرة من الإسلاميين المشاركين، أو بالأحرى «الإخوان المسلمين» وخليط من الجماعة الإسلامية وغيرها. العناوين كانت جذابة وبراقة. وكان الغنوشي الذي التقيت معه ثلاث مرات على طاولة العشاء، سعيداً جداً بردة فعل بعض المحاضرين تجاه ذلك التحول الكبير والتجديدي عند بعض رموز «الإخوان المسلمين» في الغرب وفي المنطقة العربية. كما أن منظمي المؤتمر الذين بدوا -حسب مشاهدتي- جذلين بمشاركة رموز الإسلام السياسي، أكثر منهم بأي توجهات أخرى كانت مشاركة في المؤتمر، حيث شاركت أيضاً مجموعة كبيرة من الباحثين الأكاديميين والخبراء من دول عديدة.
المفاجأة التي كانت صادمة لي، بعد إلقاء الغنوشي كلمته وورقة القرضاوي، هي ردة فعل الغنوشي بعد يوم واحد ونحن على العشاء، على الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام عن تسليم جماعة جزائرية إسلامية مقاتلة أسلحتها للحكومة، كان الغنوشي مستاء ومنزعجاً، «لأن المقاتلين ألقوا أسلحتهم من دون أي مكاسب سياسية». كنت تحت تأثير الصدمة، وفي الحقيقة لا أذكر كيف كانت نظرتهم إليّ حيث كانوا صريحين في إبداء مواقفهم الحقيقية أمامي، وفيهم كمال الهلباوي وأسامة رشدي، ربما أنني كنت محظوظاً لأنني لم ألق ورقتي إلا في آخر أيام المؤتمر، حيث كشفت أوراقي للجميع.
إن ما تعيشه مصر وتونس وليبيا وسوريا اليوم هو شاهد واقع، يغني عن ألف مقال. وقد كشف العامان الماضيان حقيقة الجهاد الحضاري عند القرضاوي، مع فتاوى القتل التي أصدرها ضد أشخاص بأعيانهم، وكان آخرها فتوى بقتل المدنيين الذين يتعاطفون مع حكم الأسد. مع ملايين الدولارات التي تُضخ من قبل «الإخوان» وحكوماتهم لتجنيد آلاف الشباب، وتجربة الغنوشي اليوم وتصريحاته المنافقة المتناقضة تؤكد أيضاً أن هذه الجماعات لا أمانة لها ولا مبادئ لها، ولا وجه حقيقياً يمكنك أن تركن إليه.
كانت وسائل الإعلام السعودية في 25 يوليو 2011 نشرت تفاصيل محاكمة مؤسسي «حزب الأمة»، الذي أسسه «إخوان» سعوديون، وتضمنت الاعترافات إنشاء تنظيم عسكري، وتحديد أهدافه، والتواصل المكثف مع أعضاء تنظيم «القاعدة» في العراق. علينا أن نتذكر دائماً أن «الإخوان» دأبوا على الدوام على الإنكار والبراءة من تهم إنشاء أجنحة عسكرية سرية. هم ينكرون ذلك منذ ثمانين عاماً، ولكن التاريخ دائماً يثبت لنا حقيقة ما نفوه. فهل يسعى «إخوان» الخليج حقاً لإنشاء تنظيم عسكري؟
جريدة الاتحاد
الاثنين 20 جمادي الأولى 1434هـ – 01 أبريل 2013م