منصور النقيدان
في مايو عام 2012 نشر برايان فيشمان دراسة في مجلة مركز مكافحة الإرهاب، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، يتحدث فيها عن مؤشرات تدلّ على عمليات إرهابية في سوريا يقوم بها موالون لتنظيم “القاعدة”، وركّز على تناول التقارير التي تؤيّد ما يقال سراً عن أجانب يحاولون التسلّل عبر الحدود السورية، وقال في محور آخر يكشف استفادة “القاعدة” من الصراع ليقول “إن المعركة في سوريا أدت إلى تضييق الفجوة بين الجهاديين والأنظمة العربية التي تريد أن ترى الأسد مخلوعاً من السلطة، وعلى الخصوص في المملكة العربية السعودية”. في 25 فبراير عام 2012، سمى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل نظام الأسد بـ«قوة الاحتلال»، وقال عن وجود الليبيين في سوريا إنه يشير إلى شرحٍ أكثر تعقيداً من الدعم العام للنشاط الجهادي. ومن يقرأ تلك الدراسة الباكرة، لا يتفاجأ وهو يُشاهد أخباراً في القنوات الدينية المصريّة وغيرها، عن “استشهاد/ مقتل” شباب مصريين وهم يقاتلون مع رفقائهم السوريين ضد نظام الأسد الذي يصفونه بـ«الكافر»؛ ولكنّ الدراسة على قدرتها الاستشرافية الجيدة، لا تمنعنا نحن الذين عشنا مرارة “الأفغان العرب”، وتحديات إدماجهم، ورصدنا “كارثة” انتشار التطرّف بعد الحادي عشر من سبتمبر، من الفجيعة والمفاجأة، لأننا ندرك أنّ معالجة الأزمة بصنع أزمة أشد تعقيداً وأكثر فتكاً بمستقبل المنطقة، أمر مقلق.
تشهد مجتمعاتنا صرعات مجنونة من التطرف، فكم تستغرب أن تجد ناشطين (حقوقيين) يطالبون بحقوق مقاتلي “القاعدة” في سوريا أو مالي ويدعون إلى تنظيم تجمعات سلمية لهذا الغرض، في بلد يفتقر لمطالب حقوقية أساسية، أو أن تجد شيوخ دين ووعاظاً كانوا في السنوات العشر الماضية إما يتحاشون انتقاد “القاعدة” والتكفيريين “الجهاديين”، أو أنهم يعيبونهم على استحياء لاستهدافهم المسلمين فقط! وفي الأسابيع الأخيرة يسعون بكل ما أوتوا للدفاع عن “القاعدة” ومناصبة العداء لكل من ينتقدها. والأدهى هو عودة شعبية “القاعدة”، فأصبحنا اليوم نعيش مرحلة كالتي كانت المنطقة تعيشها عام 2001 وما بعدها، فأصبح الشباب يتسربون خارج البلاد، للجهاد ضد النظام السوري، وأحياناً بمباركة الأهل، ودعوات الجدة، وغبطة من العم، ونشوة من الأب، تباركها فتوى دينية لشيخ ينشر الضلال نهاراً، ويمارس الفسق ليلاً.
يقع على عاتق الحكومات مسؤولية وقاية شبابها وتأمين مستقبلهم وحياتهم، وعدم تحويلهم إلى قنابل موقوته تدّمر كل ما حاول العقلاء إصلاحه على مدار سنوات ماضية في الحرب ضد الإرهاب ومعالجة آثاره المدمّرة، فإنّ التغاضي سيرتد عقابيل وخيمة على كل الدول التي تغض الطرف عن المتسربين، الذين متى انتهت مهمتهم في سوريا سيخترعون ألف سبب ليبدأوا المهمة في بلدانٍ أوفدتهم وحضرتهم من قبل.
وقبل الحكومات على رجال الدّين الذين يتبارون الآن في إطلاق نعرات التكفير وأوصافها على النصيرية، ويدعون لإبادتها، أن يتفكروا في التاريخ الذي عاشه السّنة في كنف “النصيرية” آمنين على دينهم ودنياهم، وأن يتنبهوا إلى أن النصيرية يدينون لذات الرب وبذات الدين الذي يناجيه أهل السّنة، وإن لم يشفع هذا كله، عليهم أن يُلجموا بلجام الحكيم الذي لا يلدغ من جحر الإرهاب ولا ينفخ في نار التطرّف وإذكائها وقد حرقته مرتين.
جريدة الاتحاد
الثلاثاء 16 ربيع الآخر 1434هـ – 26 فبراير 2013م