منصور النقيدان
التطورات الأخيرة التي تعيشها مصر وتونس، لا يمكن فصلها عن البيئة الاجتماعية الثقافية الدينية التي أوصلت “إخوان” مصر وتونس إلى الحكم. لحسن الحظ أن شراهة “الإخوان المسلمين” والسلفيين الذين انفتحت شهيتهم هم الآخرون للسلطة، جاءت في هذه الفترة المبكرة، حيث الثورات لم يخب أوارها، ولم يخف لهيبها، والغالبية من الثوار لا يزالون في نشاطهم، ولم تزل جموعهم حتى الساعة هذه تطالب الحكام الجدد بأن يفوا بما وعدوا، وأن يمنحوهم الخبز والأمن والدفء.
وكان بعض من الخبراء السياسيين ذوي الميول الإسلامية من المشفقين على “الإخوان” قد أزجوا لهم النصح منذ سنوات بأن لا يورطوا أنفسهم بأي تجربة حكم، حتى وإن أتتهم السلطة منقادة، وأن يحافظوا على مواقعهم في المعارضة مستثمرين التغلغل الشعبي، وملامسة هموم المواطن العادي، واحتياجاته المادية والروحية، وبرر أولئك الخبراء تحذيرهم بأن فشل “الإخوان” وأمثالهم في الحكم، سينعكس سلباً على أبناء الحركة الإسلامية، ويعمق القناعة بأن شعار “الإسلام هو الحل” مصيره الفشل والفوضى، إلا أن الجشع تجاه الكرسي، والفراغ الذي نتج عن زوال الحكام السابقين، قاد الإسلام السياسي إلى ما يمكن وصفه بأنه بداية غروبه وحفرة حتفه.
لدينا رغبة عارمة بتحميل الإسلاميين الذين يحكمون مسؤولية كل ما يحصل من اضطرابات وفوضى وانعدام للأمن والبطالة وتهديد للسلم الاجتماعي. ولكن الحقيقة والواقع أن كل من أسهم في وصولهم إلى القيادة السياسية، وكل من صوّت لإسلامي، أو دعم بالمال أو أيّد بالمقال، أو انخرط في حملات التزوير لدعم هذه الأحزاب والجماعات، فهو شريك لهم في كل ما يحصل اليوم. إن الموقف السلبي هو قوة في كثير من الأحيان، فالاحتفاظ بالصمت والابتعاد عن مواطن الدعم والنصرة للباطل هو من أعظم أنواع الجهاد، ولهذا حينما رأت جمهرة من الصحابة أن الأمور قد ساءت بين علي ومعاوية وتتجه نحو الفوضى وسفك الدماء، آثروا العزلة وابتعدوا، ومنهم من سكن الصحراء وتعرب بعد الهجرة حتى لا يكون شريكاً في أي دم يراق. ولا يمكننا أن نعذر المثقفين المستنيرين والليبراليين الذين أيدوا وشجعوا وصول “الإخوان” أو “النهضة” إلى الحكم، ثم انثنوا اليوم ينوحون ويولولون، لأن “الإخوان” هم “الإخوان” منذ ثمانين عاماً لم يبدلوا ولم يتغيروا، وما تشهده تونس اليوم من اغتيالات هو بداية القصة الحزينة التي ستذكرنا بما عاشته الجزائر قبل عشرين عاماً.
لهذا جاء القرآن دائماً مؤكداً على ألا يتعاون الناس على الإثم والعدوان، وأن يكون التعاون مقصوراً على البر والتقوى، أي على ما ينفع الناس في أمنهم وعيشهم والهم الوطني المشترك، الذي يبدو اليوم أبعد ما يكون عن أجندة “الإخوان” و”النهضة”. وكلنا رأينا الأيام الماضية مثالاً متجسداً في الداعية السعودي محمد العريفي. فالعريفي نفسه الذي طالب بإسقاط أمير الكويت ودعا إلى الخروج عليه، هو العريفي نفسه الذي وقف مع “إخوان” مصر ودعا إلى دعم التنظيم مالياً، والعريفي نفسه هو الذي دافع قبل أسبوع على إحدى القنوات عن “القاعدة” وبرأ مجرميها من أعظم جرائمهم!
إذا أدركنا هذا الخيط الذي يصل بين هذه المحطات الثلاث عند هذا الداعية الذي هو نموذج مصغر من الحالة الإسلامية، فتذكر أن الطريق طويل للوصول إلى بر الأمان، فالشعوب الإسلامية لم تزل ترزح تحت أمية مكتسحة، وتتخبط في عتمة دينية، ليكتووا بنار ما جنوه سنوات قادمة، الله يعلم متى تحين ساعة الإفاقة منه. فكما تكونوا يولَّى عليكم.
جريدة الاتحاد
الاثنين 30 ربيع الأول 1434هـ – 11 فبراير 2013م