منصور النقيدان
ألقى الكاتب والصحفي الأميركي جوزيف براودي، محاضرتين في العاصمة البحرينية المنامة خلال الأسبوعين الماضيين، حول صياغة القرار في العاصمة واشنطن. وفي محاضرتيه المهمتين، أشار إلى أن مواطني المجتمعات العربية يفترضون في بعض الأحيان، عند تقييم السياسات الأميركية تجاه المنطقة، أنها نابعة من جهد مدروس لإلحاق الضرر، بينما -في بعض الأحيان- يتم اتخاذ القرارات ببساطة استناداً على أسس ضعيفة أو لجهل بما يحصل أو لضيق الوقت، ويقول: «إذا أتيتم إلى الولايات المتحدة وقمتم بزيارة بعض المؤسسات البحثية في واشنطن وقابلتم المتخصصين في الشؤون الخليجية، فقد تتفاجأون أن بعض أكثر الأصوات تأثيراً لا يتقنون لغة الضاد ولم يقضوا إلا وقتاً قليلاً في الخليج، هذا إن كانوا قد زاروا الخليج أساساً، إضافة إلى أن تواصلهم الشخصي مع مواطني هذه المنطقة قليل». ويشير براودي، إلى أن مكتبات بعض مراكز الدراسات الأميركية، تحتوي على القليل جداً من البحوث القادمة من منطقة الخليج نفسها، مؤكداً أن بعض القرارات السياسية تصاغ غالباً بالاعتماد على معلومات قديمة عفا عليها الزمن، أو تقارير من صحفيين أجانب، وفي الحالة البحرينية على سبيل المثال، فإن ذلك يتم بواسطة أفراد من الجالية البحرينية الذين يجيدون اللغة الإنجليزية وانتقلوا إلى واشنطن من أجل المضي قدماً في أجندة المنظمات التي يتبعونها.
وفي محاضرته التي ألقاها في جمعية المنتدى الليبرالية في البحرين، أكد جوزيف براودي الذي يمثل لوناً مختلفاً متميزاً عن الخبراء الذين تعج بهم وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، أن البلدان التي حققت أقصى تقدير ودعم من الولايات المتحدة هي تلك التي تتخطى علاقاتها مع الأميركيين المستوى الحكومي. حيث هناك اتصال شخصي ومؤسساتي مباشر مع الأميركيين في كل قطاع، ومنها قطاع الأعمال والحكومة بطبيعة الحال، وفي مجالات الثقافة والتعليم والفن والفكر والمجتمع المدني. حيث إنه في الوقت الذي ترسل فيه حكومة ما، سفيراً ما ومجموعة صغيرة من الدبلوماسيين إلى الولايات المتحدة، تعمل مؤسساتها المدنية غير الحكومية معاً لإرسال مئات من السفراء غير الرسميين للبلاد أيضاً، للتأثير على صانع القرار، ولتقديم صورة حضارية عن بلدانهم أحياناً، «ولكن هذه المبادرات هي مشروع حضاري ذو قاعدة عريضة في الصميم، نابع من وعي عام بأنه من الضروري بناء العديد من الجسور، وعلى المدى البعيد لمصلحة البلاد».
ويتابع براودي الذي يتحدث العربية بطلاقة، بأنه «هناك أصوات مؤثرة في الولايات المتحدة تؤمن جدياً بفكرة الإصلاح التدريجي. هل تعلمون من هم؟ هل سبق وقمتم بتأسيس اتصال خاص ومباشر معهم؟ وسط مدارس فكرية تنافسية في واشنطن بشأن البحرين -كما ذكرت سابقاً- فإن أنصار التغيير المنهجي التوافقي يبحثون عن حلفاء جادين في الميدان. هل سبق ودرستم تصريحاتهم؟ هل سبق ودعوتموهم إلى بلدكم؟»
ويؤكد براودي على أن نجوم المجتمع من فنانين ورياضيين ومفكرين قد يكونون من أدوات التأثير أيضاً، مستشهداً بالنجاح الكبير الذي حققته المملكة المغربية، التي يشكل أبناؤها ورموزها الثقافية جزءاً مهماً من وسائل التأثير لدى واشنطن ولدى مراكز الأبحاث الأميركية.
وبراودي مؤلف أصدر كتابين عن المنطقة العربية أحدهما عن «العراق الجديد»، والآخر «ميتة محترمة»، يحكي جهود الشرطة المغربية في مكافحة الجريمة. وفي مناسبة أخرى يحذر براودي من أن تكون المعارضة وحدها هي من ينفرد بمد الجسور، في الوقت الذي تكتفي فيه الحكومة بالجهود الرسمية، أو بالاعتماد على شركات العلاقات العامة، التي لدى الشعب الأميركي حساسية شديدة تجاهها وشك في مصداقيتها.
جريدة الاتحاد
الاثنين 16 ربيع الأول 1434هـ – 28 يناير 2013م