منصور النقيدان
ما شاهدناه الأيام الماضية في أرجاء العالم الإسلامي بذريعة الاحتجاج على الفيلم المسيء، يؤكد أن الأمية تفتك بمئات الملايين من المسلمين، وأن ما تحتاجه هذه الأمم من باكستان إلى مصر فالسودان ومن مصر وليبيا حتى المغرب، هو محو الجهالة الدينية، وإصلاح ديني عميق، فهذه الحشود الهائجة تحتاج أن تتعلم (مكارم الأخلاق) التي جاء الإسلام ليتممها، ولترسخ في منظومة أخلاقها (المروءة) وتجعل منها جسداً وتطبيقاً.
فالإسلام الحقيقي ليس شريعة يابسة خالية من الروح، تسمح للغوغاء بحجة الغيرة على الحرمات بالسرقة والسطو والاختلاس وسفك الدماء. في اليوم الذي أصدرت المحكمة الباكستانية قرارها بالتحقيق مع رئيس الوزراء بتهم فساد تلاحقه منذ سنوات، دعا زرداري إلى أن يشارك كل الباكستانيين في مظاهرات أورثت الخراب والقتل والاعتداء على الممتلكات، تتقدمهم فيها نخبة من 500 محام يفترض أن يكونوا قدوة في التزام القانون.
ولكن في الوقت نفسه فإن الإصلاح في العالم الإسلامي، لا يمكن أن يحصل بمعزل عن كشف خطر الإسلام السياسي بتياراته وتنظيماته، الذي استثمر لعقود هذا التماس بين الحضارات لغرس ثمار الكراهية وامتطي الحشود لأهدافه الخاصة، واليوم بعد أن وصلوا الحكم في بلدان عديدة، أصبحوا وجهاً لوجه مع ثمار ما حصدوه. ومن المحزن أننا لا نزال نعاني بشكل دوري ومتجدد من ظلمة هذه الأفكار التي قضت على كل الآمال بإيجاد مجتمعات إسلامية مطمئنة ومزدهرة ومتطورة. وأرى اليوم أن واجبي وكثيراً من إخواني المستنيرين، هو التحذير من خطر هذه الجماعات على حضارتنا المعاصرة التي نحن اليوم جزء منها ومن أبنائها وعالة عليها، واستثمار كل الوسائل والطرق المتاحة والفلسفات الناجعة لكشف أخطار هذا السرطان الذي استشرى وجعل من الحياة بؤساً ومن الحلم الجميل كابوساً.
فمن الواجب على كل المستنيرين أن يضعوا أيديهم مع حكوماتهم التي تعي عمق الأزمة، لاتخاذ كل السبل لحصار هذا البلاء الذي نجد اليوم آثاره الكارثية على مجتمعاتنا بعد الاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية عام 2011، وبعد التطورات الأخيرة التي أثبتت أن ما يفعله ملايين المسلمين الآن حول العالم من اعتداءات على الأبرياء، وتدمير للممتلكات، واقتراف للجرائم، تحت ذريعة الغيرة على حرمات الله ليس إلا تكثيفاً لمشكلة التحضر في العالم الإسلامي. فأدنى مراتب الحضارة أن تؤمن قولاً واعتقاداً وعملاً بأنه (لاتزر وازرة وزر أخرى). أليس صادماً أن يدعو وزير السكك الحديدية في باكستان إلى القتل ويدعو “الإخوة في طالبان وتنظيم القاعدة إلى المشاركة في هذا العمل النبيل”!
تتضاعف قناعتي بأن التعمق في دراسة تراث الإسلام وعلوم الشريعة، واللغة، والتفسير، من مصادره الأصلية، في منأى عن أوضار الجماعات الإسلامية المعاصرة ولوثاتها، أن ذلك هو الأساس المتين الذي يجعل من المسلم مؤمناً صالحاً لنفسه ولأمته ولإخوانه من بني الإنسان، بشرط أن يتفتح العقل على كل المذاهب والأفكار والديانات، وبشرط أن يكون القلب مهيأً لتشرب كل العقائد الصالحة والفلسفات التي تسعد الإنسان وتجعل منه مؤمناً فرحاً.
إنك إن جعلت من وعيك إسفنجة تتشرب كل الأفكار الصالحة، فأنت حينها قد بلغت من الحكمة منتهاها. وهذا ما غاب دائماً عن وزارات التربية والتعليم التي يظن القائمون عليها أن دفن كل شيء تحت السطح وقتل الأسئلة، كفيل بأن ينهي أزمتنا العميقة ثقافة وديناً وحضارة.
جريدة الاتحاد 24/9/2012