منصور النقيدان
اختطاف القنصل السعودي في اليمن لم يكن أولى محاولات التنظيمات الإسلامية المسلحة، فقد سبقته محاولات عديدة لاختطاف مسؤولين سعوديين، وقد شهدت الأعوام 2003، و2005، وعام 2009 محاولات داخل السعودية كانت أهدافها مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى. وقبل ثمانية عشر عاماً أي في 1995، كانت المحاولة الأولى الفاشلة لاختطاف رجل أمن سعودي من منزله، وقد ألقي القبض بعدها على المتورطين وأعدم واحد منهم، وقد شهدت السعودية محاولات فردية ومنظمة مشابهة، ومنها ما سرب إلى وسائل الإعلام ومنها ما بقي حتى اليوم حبيساً في أدراج التحقيق.
لسوء الحظ أن كل التباشير التي زفها من يصفون أنفسهم بالخبراء والمحللين في عام 2011 عن انتهاء عصر “القاعدة” لم تكن إلا ضرباً من الأماني، لأن ما يغذي “القاعدة” وينميها ويسمح لها بالتمدد وكسب الأنصار هو عوامل أخرى لا شأن لها بأحلام الديمقراطية أو بالثورات السلمية أو بانهيار أنظمة فاسدة ومستبدة، لهذا رأينا الإرهابيين يترعرعون في بريطانيا، وفي شمال أوروبا، ويحاولون أن يجدوا لهم مرتعاً خصباً داخل الأراضي الأميركية.
ولأن دولاً وأنظمة لها مصلحة كبيرة في أن تستمر “القاعدة” ويتغلغل مقاتلوها، والمجندون الذين ينضمون إليهم ممن لديهم الاستعداد للانخراط في أنشطة “القاعدة” وزعزعة أمن دول بعينها مثل السعودية، فعلينا أن نعرف أنها حرب مستمرة وباقية قد تستمر عقوداً لا سنوات، تستخدم فيها “القاعدة” كل الوسائل الممكنة.
وقد شهد التاريخ الإسلامي أمثلة لمثل هذا التنظيم الشرس، كما كان الحال مع الحشاشين الذين استمرت قلاعهم حصينة وفي منأى عن جيوش السلاطين والأمراء لعقود طويلة. وقد كانت للزعيم الروحي لهذه الطائفة الحسن بن الصباح أهداف عقائدية وميول طائفية وطموحات شخصية، كانت وراء تأسيس هذا التنظيم السري المرعب الذي قتل المئات من نخبة القيادات السياسية والروحية والفكرية السنية عبر مائتي سنة. ولأن الحسن بن الصباح كان طامحاً لأن يجد الحظوة عند الخلفاء الفاطميين فقد قدم نفسه جنديّاً مخلصاً لهم، وكتب الرسائل وبذل العهود، ولكن الخليفة الفاطمي بحكمته وحصافته أدار له ظهره، ورده ردّاً جميلاً، لأن الفاطميين كانوا يحكمون عالماً سنيّاً لا يشكل فيه الباطنية والإسماعيلية إلا هباءة، والتحالف مع شيخ الجبل (ابن الصباح) لن يأتي منه إلا صداع الرأس.
وقد وجد الحشاشون في الصليبيين حليفاً وداعماً لهم، كما كانوا يحظون بتعاطف من العامة ومن بعض شرائح المجتمع ممن كانوا يقطنون القرى والبلدات المحيطة بقلاع الحشاشين وعلى مقربة منهم، فكانت تلك القرى بأهلها عيوناً لهذا التنظيم وعمقاً اجتماعيّاً يتسترون على أتباعه ويتغاضون عنهم، ويضللون المخبرين الذين يلتقطون أخبار أولئك الفتاك الذين أقلقوا العالم السني ونشروا الرعب في كل مكان. وبعدما انتهى حكم الفاطميين وجد الحشاشون في كل قوة دولية صاعدة مناوئة للخلافة السنية حليفاً وداعماً، حتى كانت نهايتهم على أيدي جحافل المغول الذين اكتسحوا العالم.
لا شفاء لليمن السعيد من حالته البائسة التي يعيشها، وأي حديث عن تطور أو تحول إيجابي اليوم فهو أمانٍ لا أرض لها، ولا سبيل لتحقيقها. ولأن اليمن منذ سنوات يعيش تدهوراً في كل أوجه الحياة، فإن اليأس وفقدان الأمل وشبح المجاعة يجعل الناس على محك التحدي والامتحان لقيمهم وأخلاقهم وفروسيتهم وبقايا النبل الذي توارثوه عن أسلافهم. ولهذا فلا أمل يلوح في الأفق.
وعلى السعوديين وغيرهم من الدول المستهدفة أن يوطنوا أنفسهم لحرب طويلة مع هذا التنظيم، في الداخل والخارج.
جريدة الاتحاد 24/4/2012