الموجة التي اجتاحت الكون في الأسابيع الأخيرة حول فضح المتحرشين، طالت حتى حفيد مؤسس تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي، طارق رمضان. وسواء أكدت التحقيقات صحة الاتهامات التي وجهتها هند العياري لطارق أو نفتها، فإن رمضان يمثل نموذجاً يتكرر في صور متعددة، أي أولئك المشاهير الذين تُسيل فضائحهم لعاب الصحافة ووسائل الإعلام، أي تلك الأسماء الجذابة والمغرية حتى لأكثر الإناث كراهية لهم.
أياً يكن فإن الدوافع الغامضة والمعقدة التي تجعل من سيدة تنساق برضاها نحو غرفة نوم نجم سينمائي أو منتج، أو مسؤول حكومي أو رجل ديني وهي في كامل فتنتها وتبرجها وهيامها، لنقاش قضايا الإنسانية المعذبة، أو التباكي على مستقبل الجاليات المسلمة في الغرب، أو للحفر عميقاً في فلسفة فقه الأقليات، أو القلق على مستقبل البشرية في عام 2100، هي دوافع جديرة بالدراسة.
إن قصة الجنس في الترويض والتجنيد والإيقاع بالمستهدفين قديمة قدم الدهاء والخلابة في تاريخ البشرية. هذا مدخل مغرٍ لإكمال ما تناولته في مقالتي السابقة حول المخبرين. هنا أناقش دور الجنس في القصة، عن واحدة من أكثر قصص الاختراق غرابة، هي قصة «ف. ش» حيث يقبع منذ أكثر من سبع سنوات في سجن الحائر جنوب العاصمة الرياض، واحد من أكثر الموقوفين السعوديين غرابة.
خضع «ف. ش» للمراقبة بعد أن سجن مرتين بسبب علاقته الوطيدة بـ«القاعدة»، الأولى بعد الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، حيث اتجه إلى أفغانستان، وبعد عودته أوقف لفترة وجيزة ثم أطلق سراحه، وبعد سقوط نظام صدام حسين، تسلل إلى العراق مستخدماً جواز سفر أخيه الذي يشبهه إلى حد كبير، منضماً إلى الجماعات الجهادية المسلحة. وقع بعدها في قبضة القوات البريطانية، وكانت شكوك السعوديين تدور حول كون هذا الشاب قد تم تجنيده فترة وجوده في العراق لصالح إحدى المخابرات الغربية. الحقيقة أنه فعلاً جُنِّد ليزود قوات الحلفاء بمعلومات عن خلية كان واحداً من أعضائها، بعد أن ألقي القبض عليه مرة ضمن مجموعة قتلت عن بكرة أبيها في كمين جنوب العراق، وكان هو الناجي الوحيد. وتكررت هذه القصة مرتين أو ثلاثاً معه، يكون كمين تستهدف فيه القوات الأميركية أو البريطانية مقاتلين من «القاعدة» فيقتل الجميع وينجو صاحبنا، في إحدى المرات نفذ بجلده قبل الهجوم بدقائق.
كانت عميلة مخابرات أجنبية يبدو أنها أشرفت على تجنيده في العراق، قد وقعت في هواه. وبعد عودته مرة أخرى إلى العراق سلمته قوات التحالف بعدها إلى السعودية، ولكن المفاجأة التي فقست عنها التحقيقات هي أنه قرر أن يسرد كل الحكاية منذ البداية. «ف. ش» الذي جاوز السابعة والثلاثين، كان هو نفسه على صلة عاطفية بعميلة المخابرات الأوروبية التي عرفها في العراق، حاولت التواصل معه في زيارة لها إلى مدينة خليجية أثناء زيارتها في مهمة أمنية، وعلى رغم أن «ف. ش» كان ممنوعاً من السفر إلا أنه تمكن من السفر مستخدماً جواز شقيقه التوأم، وبقي مع خليلته أياماً وبعدها عاد إلى المملكة مرة أخرى.
الاختراق والتجنيد واستغلال الشباب والصغار وحتى الكهول من قبل مخابرات معادية، يمكن أن يكون الجنس أحياناً هو أخصر الوسائل إليه، وهي إحدى أقدم حيل البشر في الإغواء، ولكننا نواجه أحياناً حالات يكون ضحاياها تنويعة من الأفراد ذوي الأهداف والاهتمامات المختلفة، حيث تكون النجومية والمال وإشباع النقص والوجاهة الاجتماعية وسائل جبارة تطيح بهم، وتلطخ سمعتهم وحياتهم.
الحسناء سالفة الذكر تقضي الآن حكماً بالسجن، وصاحبنا مع كل ضيف يحل على زنزانته يحكي له تهاويل ألف ليلة وليلة.