تفجير منهاتن الذي وقع فجر الأحد الماضي مثير للقلق، موجع لنا نحن المسلمين أكثر من غيرنا، مزعج أكثر لمسلمي أميركا. نعم، هو قد يكون عملاً فوضوياً، وقد يكون مدبراً من تنظيم سري شرير يكره المسلمين ويخطط لفتنة أهلية داخل البلاد، وربما أنه عمل ارتجالي من مجنون يظن أنه هكذا يمكنه أن يوجه ضربة لرمز الشر، وربما لا يعدو أن يكون عملاً إرهابياً مقصوداً من شاب مسلم بايع تنظيم «داعش» أو «القاعدة» قبل تنفيذ عمليته بثلاث ليال.
يؤكد بعض المعلقين من السياسيين العرب أن الأرقام تؤكد أن النسبة الكبرى من ضحايا الإرهاب العالمي الذي يقوم به مسلمون ضالون هم من المسلمين. نعم وهي حقيقة لا يمكن إنكارها. ولكن ما الذي يعنيه هذا؟
أولاً: إنه يؤكد أن جزءاً أساسياً من الحل الشامل لمشكلة التطرف هو بيد المسلمين أنفسهم من دون غيرهم. فواحد من أسباب التفسير الأكثر قبولاً هو أن التنظيمات الإرهابية تعتمد فكراً مبنياً على تفسير ديني يستمد موارده من كتب العقائد والفقه، وهذا الفكر يرى نظم الحكم القائمة في عالم الإسلام مرتدة وطاغوتاً يجب الإطاحة بها، وعليه فإن المواطنة والولاء لهذه الأنظمة تبيح القتل وتتسبب في الارتداد! وكونها بِنت عصرها وأحد تجليات الأزمة العميقة التي نعيشها فمن الطبيعي أن تكون تأويلات الجهادية التكفيرية المعاصرة لأحكام الردة والمحاربين وتفسيرها للجهاد ومجالاته ومسوغاته وتمثلاته لا تشبه تأويل المسلمين في سالف العصور.
ثانياً: أن كون المجتمعات الإسلامية هي المتضرر الأكبر من ظاهرة الإرهاب التي تقوم بها التنظيمات المسلحة الإسلامية، يعني أن المسلمين معنيون أساساً ومطالَبون أمام الله وأمام العالم بتفسير موضوعي لأسباب هذه الظاهرة التي نبعت من بين ظهرانينا، وتحمّل مسؤولية ذلك. فمن يقتل المسلمين في المساجد هم مسلمون سُنة أو شيعة، ومن يقتل طالبات المدارس في باكستان وأفغانستان هم مسلمون، ومن يغتالون آباءهم وإخوتهم وأرحامهم لبواعث دينية هم أبناء السلفية السنة، ومن يسبي الإيزيديات ويقيم لهن أسواق النخاسة هم مسلمون سنة، ليسوا مجوساً، وليسوا يهوداً، ولا مسيحيين. مع هذا الاعتراف لا بد من السعي الصادق لتجفيف منابعها الفكرية والثقافية والدينية والاجتماعية. هنا في هذا الجزء الأخير يأتي دور المجتمع الدولي لكي يتعاون ويقوم بدوره.
ثالثاً: إن ما يجب أن يعيه المسلمون السنة أساساً أن الإسلام أصبح مسألة كونية، وأن أي دولة يعيش على أرضها ملايين من المسلمين، من حاملي جنسيتها أو المقيمين فيها، يحق لها أن تكون قلقة على طرق التنشئة الدينية لأبنائهم، وعلى سلامة عقولهم من لوثة التطرف وثقافة الموت. إن دولة كبيرة مثل روسيا، عضو مراقب في منظمة التعاون الإسلامي، من بين مواطنيها عشرون مليون مسلم يمثلون قرابة 20% من سكانها، يمنحها الحق أن تسعى مع الفقهاء والمفكرين المسلمين في دراسة الحلول لتجفيف منابع التطرف، وخنق عوامله الفكرية والدينية والثقافية التي تساعد في انحسار هذه الظاهرة.
رابعاً: علينا أن نعي أن الإسلام لم يكن يوماً حكراً على عرب الجزيرة، فنبْز الغالبية الساحقة من مسلمي العالم بأنهم «أعاجم» عاجزون عن استيعاب الدين وتفسيره، هو أحد الأوهام المضللة التي عششت في أدمغة العرب منذ فترة مبكرة. ولنتذكر أن علماء الكلام السنة، وفلاسفة الإسلام، والغالبية الساحقة الذين ألفوا المسانيد وكتبوا في التفسير لم يكونوا من ذوي الأصول العربية، ومنهم من كان يتحدث لغته الأم إلى جانب العربية.
إن التباكي ومعاداة العالم من مسلمين وغيرهم تظاهراً بنقاء الإيمان، قد نسج حجاباً حال دون رؤية علل الذات وأمراضها.