في عام 1017 م/408 هج خرج للأمة الإسلامية البيان المعروف بالمعتقد القادري، بأمر من الخليفة العباسي القادر بالله. وقد جُمع القضاة والعلماء وأخذ إقرارهم به، وأنه المعتقد الصحيح وما عداه فهو الباطل، ومعتنق غير ما تناوله المعتقد القادري هو ضال، وفي بعض المسائل هو كافر بالله. كان هذا البيان الذي ولد في فترة عصيبة واضطراب في الأمة الإسلامية واختلاف ونزاعات في العقائد، معبراً عن الأزمة العميقة التي ضربت أمة الإسلام. لعقود تالية كلما ازدادت الصدامات المذهبية وتعمقت الخلافات كان هذا البيان يقرأ على الناس، ويؤخذ إقرار العلماء والقضاة بمضمونه. كثير من علماء السنة اعتبروا هذا البيان نصراً مبيناً، وعلى الخصوص أنه كان رداً على المعتزلة ورفضاً لعقائدهم، ولأن الاعتزال قد اندمج مع التشيع لأسباب سياسية منذ البداية، فقد كان الشيعة أيضاً معنيون ومستهدفون بهذا الاعتقاد كما سيأتي.
المذهل في هذا أن الملوك البويهيين الذين كانوا شيعة، وكان مُلكهم يستند في الأساس إلى دعم الخليفة القادر بالله السُني وغيره من الخلفاء، كانوا مع العباسيين يواجهون عدواً أكثر خطورة هو تمدد ملك الفاطميين الإسماعيلية من الغرب، وحملات الاغتيال التي كان يشنها الحشاشون الإسماعيليون من الشرق. أما أهل الحديث الحنابلة وأتباع أبي الحسن الأشعري الذين شهدوا لحظة ولادة هذا البيان أو جاؤوا بعده بعقود وقرون فقد أثنوا على مضمونه، لكونه انتصاراً لأهل السُنة. العراق نفسه شهد قبل ذلك بمئة عام تقريباً صدامات بين أتباع واعظ حنبلي آخر تمتع بالجماهيرية هو البربهاري، وبين أتباع الأشعري على تفاصيل دقيقة في المعتقد. أي أن أهل الحديث الذين كان الأشاعرة هم الأقرب إليهم من بين الفرق وأصحاب المقالات، وكانت عقائد أهل السنة مزيجاً من الاثنين، هم أنفسهم خاضوا معارك ثنائية. أبو الحسن الأشعري نفسه وأتباعه من بعده كانوا هم أكثر نظار أهل السُنة تأثيراً في الرد على الملاحدة والدهريين، وعلى المعتزلة الذين كان الأشعري واحداً منهم قبل تحوله.
بعد قرابة ستين عاماً من موت القادر بالله العباسي (422هج)، سيتصدى أبو حامد الغزالي نفسه لمهمة إعادة كتابة عقائد أهل السنة مرة أخرى بدعم من نظام الملك السلجوقي، كان الإسلام بطوائفه تلك الفترة يعيش أكثر حالاته اضطراباً، واختلافاً واقتتالاً بين الملوك والقادة والمتكلمين وأتباع المذاهب، ومع أن البيانات تلو البيانات ومتون العقائد المدرسية، شهدت أكثر فتراتها ازدهاراً، إلا أنها لم تكن حائلاً دون تفكك أمة الإسلام، فإذا كان ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية نقلاً عن ابن الجوزي الحنبلي صحيحاً، فإن كثيراً من المعتزلة والشيعة والإسماعيلية قد قتلوا إثر البيان القادري، كما انتزعت كثير من الجوامع والمساجد التي كانت لأتباع المذهب الشيعي.
أبو حامد الغزالي الذي كان أكثر من كتب عن الباطنية، وأكثر من اهتم ببيان كفرهم ومخالفتهم للإسلام، جاء بعده بقرابة قرنين ابن تيمية الحنبلي الذي توصل إلى أن عقيدة الغزالي وأفكاره كانت خليطاً من عقائد الصابئة وفلاسفة اليونان وعقائد الإسلام. ابن تيمية بدوره كفّره بعض من علماء المذاهب وأفتوا بهدر دمه. عام 1984 صدرت في السعودية رسائل عدة، تناقش هل الأشاعرة من أهل السنة أم أنهم من الفرق الضالة أم أنهم بين بين، وقد انخرط فيها كبار العلماء، وجاء مؤتمر الشيشان في 27 من أغسطس الماضي امتداداً لهذا الإرث، فلا عقائد الحنابلة، ولا متون أهل الحديث، ولا ردود الأشاعرة، ولا عقائد الخلفاء، كانت حائلاً دون التفكك والافتراق، وتكفير أهل الإسلام لبعضهم بعضاً.