منصور النقيدان
الثلاثاء 01 ديسمبر 2015
يبدو أن أزمة الشاعر الفلسطيني اشرف فياض تتجه نحو انفراجة، فمنذ صدور الحكم بقتله وكفره حتى اللحظة هذه تشجع كثير من الكتاب والمثقفين وقانونيون وأعضاء شورى سعوديون لانتقاد الحكم الذي تسببت به قصائد الشاعر الذي تغزل بالشمس، في سابقة غريبة لايمكن أن يحكم بالقتل فيها إلا قضاة يحملون فكر داعش تجاوزوا النظام وفرغوا أحقادهم، وليس في المملكة العربية السعودية.
في العام 1981 تسبب كتاب السيد المرحوم محمد علوي مالكي (الذخائر المحمدية)، بضجة في أوساط الحنابلة السعوديين، حيث عقد له مجموعة من العلماء أكثر من جلسة وناقشوا كتابه واصدروا بيانهم بأن ماجاء في كتابه يحوي كفريات وضلالات، وقام عضو هيئة كبار العلماء الحالي الشيخ عبدالله بن سليمان بن منيع بتأليف كتابه (حوار مع المالكي) في العام 1981 أصدرته الرئاسة العامة للإفتاء والدعوة والإرشاد أكد هذا الكتاب في أكثر من مئتي صفحة كفر المالكي وخروجه عن الإسلام. المفارقة أن المالكي ووالده من قبله كانا من كبار علماء المملكة، وكان السيد محمد علوي مالكي أصغر العلماء تقريبا الذين أفتوا بكل شجاعة في المجموعة التي احتلت الحرم المكي الشريف، ولكنه أصبح بعد سنتين مداناً ومحكوماً عليه بالكفر!
إلا أن المرحوم الملك فهد بن عبدالعزيز كان على الدوام حريصاً على إجلال هذا العالم وتقديره بل وفرض الحراسة حوله من أي اعتداء أو أذى قد يناله. كان المالكي رمزاً دينياً للحجاز، وكان استهدافه وكسره يمثل كسراً لأهلها وكبريائهم. وفي مجالس الملك فهد التي كان يعقدها في مكة كان السيد محمد علوي مالكي واحداً من المقدمين الذين ينالون احترامهم ويأخذون مكانهم اللائق بهم.ورغم التضييق على دروسه في المسجد الحرام إلا أنه كان قادراً على الدوام أن يلتقي بطلابه وبمحبيه داخل المملكة وخارجها حتى لقي الله. وتمثل مدرسته اليوم في نظر غالبية العالم الإسلامي، والدول الغربية الذي يمثل المسلمون فيها أقلية الأكثر وسطية من المذهب السني.
بعد سنتين من محنة المالكي فقست بعيداً عن الإعلام، وبعيداً عن الجمهور قصة أكثر مأساوية شهدتُ صغيراً ذيولها وتتبعت كل ماكتب فيها وحولها وسمعت من أشياخي الحنابلة تفاصيلها وهي قصة تتويب أحد أكبر علماء البلاد الشيخ محمد بن عثيمين، إثر عبارة ألقاها على طلابه العام 1983 في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود في القصيم. كانت عبارة مغرقة في تفاصيل أقوال المتكلمين الحنابلة معية الله لخلقه، وقد صدرت كتب عديدة ترد على الشيخ وتضلله، وتصف ماذكره بالكفر. وبعد ردود ونقاشات انتهت القضية إلى عقد جلسة تتويب له، انتهت بأن يقوم الشيخ حمود التويجري بتأليف كتاب يرد فيه بقسوة من دون ذكر اسم ابن عثيمين، وقام ابن باز الذي كان كبير علماء السعودية يومها بتقريض الكتاب وألزم ابن عثيمين وقتها بأن يكتب تعقيبا في الكتاب نفسه يؤيد فيه كل ماجاء في كتب التويجري ( إثبات علو الله ومباينته لخلقه والرد على من ادعى أن معية الله لخلقه ذاتية). وبقي الشيخ بعدها لسنوات أربع في مرحلة بين المرحلتين، حتى أنهى الملك فهد كل اللغط بزيارته إلى بيته في عنيزة وتعيينه عضواً في هيئة كبار العلماء،. الأكثر إدهاشاً أن ابن عثيمين توفي وهو مصر على قوله في المسألة نفسها.