منصور النقيدان
الإثنين 23 نوفمبر 2015
خبر جدير بالاهتمام، أن قسماً كبيراً من أحفاد ونسل الشيخ محمد بن عبدالوهاب من شباب وفتيات ومن مثقفين ومن علماء دين هم اليوم ضمن الأصوات التي تنادي بإحداث تغيير كبير في التعاليم الدينية والمؤسسات الدينية في السعودية. ساعتان قضيتهما مع واحد من كبار علماء آل الشيخ رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ كانتا فرصة في غاية الأهمية، لأنها تأتي بعد أيام قليلة من صدور قرار ملكي بتعيين وزير العدل السابق رئيس المجلس الأعلى للقضاء محمد العيسى في وظيفة مستشار خاص في الديوان الملكي. يمثل هذان العالمان أرقى العقول الدينية التي عرفتها البلاد في العقد الأخير. ثمة ما يمكننا أن نأمله، ولكن هل هذا كافٍ في ظل التحديات الكبيرة التي تحيط بالمملكة؟ بالتأكيد ليست كافية، ولكنها خطوة ضرورية، ينبغي أن تتبعها خطوات أكبر.
الأمر الجيد الآخر في الآن نفسه، أن نخبة من ذوي الرتب الرفيعة من رجال الأمن السعوديين وجدوا أنفسهم مسؤولين بدورهم عن تشديد الرقابة أكثر على المطبوعات، بعد أن فرطت وزارة الإعلام، والجامعات والشؤون الإسلامية في دورها التنويري والحمائي للمجتمع حتى بلغ الحال أن تباع الكتب التي تجيز العمليات الانتحارية في مراكز البيع! في المملكة لدينا مشكلة كبيرة، ولكننا لن نستسلم. هنا نحن مضطرون للاعتراف أمام العالم أننا نسعى للتطهر، لإصلاح ذواتنا، وفي كل الأحوال علينا نحن السعوديين أن نعي تماماً حجم التحديات والمخاطر التي تشكلها العقارب والثعابين التي استأثرت طويلاً بمفاصل التعليم والمؤسسات الدينية، بأيدينا خلقناها ومنحناها القوة حتى أصبح اقتلاعها أو استثارتها مخاطرة كبيرة. ولكن ساعة القضاء عليها لابد أن تأتي لأن البديل هو أدهى وأمر.
وليس هناك أعظم صدقاً ولا صراحة مما خاطب به القرآن المسلمين بعد أحُد وفي الأحزاب وبعد حنين. أي تطهر أكثر شفافية من قرآن يتلى عبر عشرات القرون، يعلم الأواخر أخطاء الأوائل، وبجمال بلاغة القرآن وبيانه الأخاذ نكاد نتلمس المشاعر والأحاسيس حين نزلت تلك الآيات على المعنيين بها «لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ». ألسنا مسلمين وأسلافنا العظام الذين فتحوا العالم كانوا نتاج هذه الروح والتربية التي صهرتهم وجعلتهم أهلاً لقيادة العالم؟! إن لنا فيهم قدوة.
إن من أبناء الذين حملوا راية التعاليم الدينية في المملكة منذ منتصف القرن الثامن عشر من يرون أن المملكة اليوم هي أحوج ما تكون إلى تجديد وإعادة النظر في التفسير الديني العقائدي والتكييف الفقهي، وهو تغيير جيد ذو دلالة كبيرة.
كما أننا أيضاً في هذه اللحظة التاريخية مضطرون للاعتراف بالأذى الذي أحدثناه في أنفسنا لشبابنا اليافعين وفتياتنا المفعمات بالأمل الذين أصبحوا كل يوم عرضة للاعتداء والبلطجة التي يمارسها ضدهم أشخاص يمثلون هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذين يصبون جام غضبهم وكراهيتهم على كل ما هو جميل في حياة هؤلاء اليافعين الرائعين الذين يحرصون على أن يكونوا مواطنين ومسلمين صالحين.
قبل أكثر من أسبوع في دبي سأل الكاتب الأميركي توماس فريدمان على العشاء شباباً سعوديين وإماراتيين كيف أصبحتم في هذا المستوى من الوعي والاستنارة؟ فكانت الإجابة أننا وجدنا الدعم من قيادتنا التي هيأت لنا أن نكون هكذا.
لهذا علينا أن نجعل من هذه العينة آلافاً من المستنيرين من أجل أنفسنا وليس من أجل العالم.