يقص القرآن الكريم علينا وقائع توضح الخلل الذي وقع من بعض صحابة الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذين آمنوا به وهاجروا معه أو ناصروا دعوته، ولكنهم بشر، ضعفوا فنالت منهم أنفسهم الأمّارة بالسوء، أو زلت بهم غرائزهم، أو جنحت بهم أهواؤهم، وبعض آي القرآن تحكي لنا توبيخاً جماعيّاً لتهاون أصاب الفئة المؤمنة، أو لرأي خاطئ كان “لولا كتاب من الله سبق لمسهم فيما أخذتم عذاب عظيم” كما في آخر سورة الأنفال.
وتكشف السيرة النبوية جليّاً الأسماء والتفاصيل عن أشخاص كذبوا فعاقبهم، أو اختلسوا وغلوا فنالوا عقابهم، أو فروا من الزحف، وعصوا وصايا الرسول، أو شربوا الخمر فجلدهم، أو سرقوا فعاقبهم. بل تحكي كتب المغازي والسير عن فضلاء كبار لهم فضل في الإسلام منذ فترة مبكرة اختلسوا من بيت المال أو تقدموا للصلاة بالناس وهم سكارى.
في عام 2004 دعاني وجيه من أهل بلدتي إلى مزرعته لجلسة شاي. وكان مضيفي قد سبق له أن شغل منصباً حساساً في إمارة منطقة القصيم، يمكِّنه من الاطلاع على القضايا والشكاوى والوقائع التي لم تكن تخطر ببال الرجل العادي، ولا يتصورها من كان يحمل عن مجتمعه تلك الفكرة المثالية الخادعة، ولهذا استفاض يروي لي تفاصيل اعتداء إمام مسجد كان مدرساً للقرآن على طلابه الصغار. كان يصورهم في أوضاع مخلة مستغلاً براءتهم، وقد وقع شريط الفيديو أخيراً في يد الشرطة، ولأن المجرم رجل ملتح ومطوَّع، فقد نظم شيوخ ومتدينون نافذون زيارات ووفوداً ومارسوا ضغوطاً هائلة لإخفاء الجريمة.
وربما يتذكر بعض منا قصة القاضية الرومانية سيمونا لونغا التي نشرت قصتها وكالات الأنباء، ومنها موقع “سي إن إن” العربي في أبريل 2005، حيث قدمت “سيمونا” استقالتها بعدما أثبتت التحقيقات تورطها في المشاركة في فيلم إباحي، وكانت سيمونا لونغا البالغة من العمر 36 عاماً قد أنكرت بشدة أن تكون هي المرأة التي ظهرت في الشريط، ومع أنها وجدت دعماً من رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي حاول التلاعب بسير التحقيق إلا أن معهد الطب الشرعي أثبت في الأخير إدانتها، واضطر رئيس المجلس لتقديم استقالته هو الآخر، ولكنه تراجع بعدها بأيام بعد محاولات من وزير العدل لثنيه عن تقديم استقالته.
وفي عام 2001 أرسل عضو هيئة كبار العلماء في السعودية قيس المبارك وثائق إلي وأنا أعمل في جريدة “الوطن” السعودية، تؤكد كلها أن واحداً من كبار علماء الدين وقتها قد سرق كتابه عن السندات والأوراق المالية. وقد بقيت الوثائق عندي سنوات طويلة، لم أتمكن فيها من نشر تلك الوثائق ولا كتابة تقرير عنها، لأن الجميع كان يتحاشى الاقتراب من الفضيحة، ولأن الشيخ اللص كان يومها ملء سمع الدنيا وبصرها.
ومنذ عام تقريباً وأنا أتابع تطورات قضية اتهام الشيخ عايض القرني بسرقة كتاب زميلة له، وقد تعرضت صاحبة الدعوى لحملات تشويه وتجريح شخصي، لأن غالبية الناس الطيبين لا يستوعبون أن شيخاً شهيراً جداً قد يسرق مع أن القرآن بين أيديهم!
حتى صدر الحكم النهائي قبل أسبوع بإدانته، ومصادرة الكتاب وتغريمه مئات الألوف والاعتذار لمن سرقها، ولكن لا تقلقوا على فضيلته، فإن تصريحاته في وسائل الإعلام، تؤكد أنه لا يزال حتى اللحظة هذه صلباً ومتماسكاً، ولا يرى فيما حصل منه جرماً ولا عيباً، ولفرط ثقته وشجاعته فإنه لا يزال يعظ الناس ويحاصرهم في عدد من الفضائيات، كما اعتدناه من قبل.
(كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
جريدة الاتحاد الإثنين 30 يناير 2012