منصور النقيدان
الإثنين 16 نوفمبر 2015
قبل عدة شهور وبعد حادثة «شارلي إيبدو» المؤلمة أشرت في مقالة سابقة إلى أن كثيراً من المفكرين المسلمين كتبوا حول فقه الأقليات المسلمة التي تعيش في الغرب، ودار نقاش أكثر حول إسلام أوروبي يساعد شباب المسلمين على أن يكونوا مواطنين صالحين في بلدانهم التي ولدوا على أراضيها ويحملون جنسياتها. ونحن في منطقتنا العربية معنيون بهذه القصة لمعرفة ما إن كان في المستطاع أن تكون لمسلمي أوروبا تجربة مختلفة يمكنها أن تكون مبعث إلهام لنا هنا في هذه البقعة التي يغلب عليها الحزن والآلام.
ولكن يبدو أن الطريق ما زال طويلاً، وأحداث يوم الجمعة الدامية في باريس تجعل المسؤولية اليوم تتضاعف على هؤلاء المفكرين وعلى وسائل الإعلام أيضاً.
فمن المهم أن تقوم مراكز الدراسات والأبحاث بدراسة التحديات المعاصرة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، آخذين في عين الاعتبار المنظور السيسيوثيولوجي، وتشجيع الباحثين من متخصصي العلوم الاجتماعية والسياسية وعلماء الدين وعلماء الدراسات الدينية وغيرها من التخصصات ذات الصلة، لتقديم تفسيرات للظواهر الاجتماعية المختلفة، والشائكة منها على وجه الخصوص، من منظور السياق الاجتماعي والسياسي، مع مراعاة عدم تجاهل سياق الأفكار الروحية والفكر الديني.
إن العالم المؤمن بحوار الحضارات والتعايش السلمي بحاجة لشباب يمثلون قادة في التفاعل الثقافي ممن يملكون المهارات المطلوبة، وهم قادرون وجاهزون ومستعدون لدعم التفاهم الثقافي في مجتمعاتهم. ويبدو لي أن منتدى تعزيز السلم الذي ترعاه أبوظبي، وبتعاونه مع مجلس حكماء المسلمين، قادر على أن يقوم بهذا الدور عبر تشجيع الشباب على وجه الخصوص للقيام بدورهم القيادي في منطقتنا، واضطلاعهم أيضاً بدور رسل التنوير والتسامح إلى العالم والمجتمعات التي تشهد توتراً في الشرق أو الغرب.
الثقة والاندفاع والشغف والتفاؤل، هي السمات الأساسية لكل من عليه مواجهة تحديات العنصرية والإقصاء والتنميط. إن تغيير العالم يحتاج إلى تحمّل وحزم وتعاطف وإصرار، فالناس ليسوا سيئين بطبعهم، ولكن أحياناً سوء فهمهم لبعض يمكن أن يدفعهم نحو قرارات سيئة. نحتاج أن نغير الطريقة التي يفهم فيها الناس بعضهم بعضاً.
إن قادة التفاعل الثقافي يعيشون تحديات كبيرة، إنهم يحاولون كسر قوالب وُجدت منذ زمن طويل، وهذا ليس سهلاً. هناك الكثير ممن سيعلنون سخطهم، وخصوصاً أولئك المستفيدون من التعصب والتطرف والإقصاء والكراهية، وما أكثرهم! وهم كل يوم ينشطون في وسائل التواصل الاجتماعي يمررون بخبث أسئلة وتبريرات تبدو للجمهور استشكالات نابعة عن نية صادقة ولكنها في الحقيقة ليست إلا تلقيناً لحجج ودعاوى تخفف من الرفض للجرائم التي يتركبها الإرهابيون ضد الأبرياء.
وأخيراً، فإنه من المهم للغاية أن يألف العالم الكندورة الإماراتية في المحافل والمناشط والمهرجانات الدولية المعنية بقضايا التعايش والسلام بين الثقافات، ليربط بين هذا الزي وبين السلام والمحبة، أن يظهر للعالم كم نحن سعداء وممتازون جداً أننا استطعنا المواءمة بين الاعتداد الكبير بكوننا مسلمين صالحين، وعرباً أقحاحاً، وفي الآن نفسه يعيش بيننا قرابة مائتي جنسية وعشرات الثقافات والديانات، وكلهم يهنأون بالسلام والانسجام.
السلبية أو اللجوء إلى الأعذار أو الانكفاء والانكماش على الذات لن يكون أبداً حلاً، بل هو كسل واستسلام يجعل التهم تتضاعف والشكوك تتنامى، ونحن في الخليج نرفض أن نكون ضحية لهذا الهوان. علينا أن نقود العالم نحو السلام كما انتشلنا البشرية قبل ألف وأربعمائة عام نحو الحرية. قال الله فليكن نور، فانبجست حضارتنا وشمسنا على العالم ثمانية قرون.