منصور النقيدان
الإثنين 02 نوفمبر 2015
في ظل ظروف الحرب الأهلية والفوضى المحزنة في المنطقة، عقد أمس الاثنين مركز الإمارات للسياسات ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني، الذي ناقش جملة من القضايا المهمة والحساسة، في مقدمتها مستقبل الخليج في عالم جديد. وفي كلمته الرئيسية أشار الدكتور أنور قرقاش إلى أن استقرار الخليج وازدهاره مرتبط بشكل وثيق باستقرار المنطقة وازدهارها، وأن المملكة العربية السعودية هي مرتكز هذا الاستقرار بالإضافة إلى مصر.
يتصل بهذه الرؤية التي أشار إليها الوزير الإماراتي، تقرير الأمم المتحدة لمقياس السعادة العالمي لعام 2015 الذي وضع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كأكثر المناطق تعاسة في العالم. وكانت المملكة العربية السعودية إحدى البقع المضيئة -في وقت طغى فيه الخوف والفوضى خارج حدودها، حيث فقد مئات الألوف من اللاجئين بيوتهم وروابطهم المجتمعية- حيث إن الناس في الخليج أسعد بشكل كبير من الدول المجاورة. وأسباب ذلك، بحسب «إرا موزس» مديرة التدريب في معهد «وليام ألانسون وايت» في نيويورك، تعود إلى توليفة من الأمن العام، والأمان المالي، والخدمات التي توفرها الحكومة، يصحبها الحفاظ على هيكلية العائلة.
وحسب الخبير الأميركي بشؤون الخليج جوزيف براودي، فالمطلعون على الشأن السعودي يعلمون أنّ وراء هذه النِعم النادرة شعوراً متصاعداً بين الناس بالزخم للتغيير الإيجابي في البلاد، ودوراً فاعلاً للمملكة في الشؤون الإقليمية والعالمية أيضاً، ويتضح ذلك بانطلاقة جديدة لمواجهة القوة الخارجية التي تهدد السلام.
ويشير «براودي» إلى أن العالم العربي ينتظر من المملكة العربية السعودية وحلفائها مواجهة القوة الرجعية العالمية التي تهدف لتدمير دولة المواطنة وجر الشباب إلى التشدد. ففي اليمن بذلت دول التحالف العربي دماء أبنائها في معركة ضد التوسع الإيراني، وهذا التحالف الذي خاض المعركة مضحياً بقواته المقاتلة من أجل تحقيق نصر حاسم، وفي الوقت نفسه الحرص على إزالة آثار الضرر الذي خلفته الحرب في اليمن، وذلك عن طريق خطة اقتصادية، سياسية، ثقافية شاملة لإعادة بناء البلد مادياً ومعنوياً حالما تسمح الظروف بذلك. وتمتد الحملة السعودية أبعد بكثير من اليمن: فالسعودية تروم هزيمة جميع القوة «الجهادية»، بما في ذلك شبيهات «داعش» التي أقامت جيوباً كبرى في سوريا والعراق، وفي الوقت نفسه ترعى حلولاً سياسية للصراعات التي استغلتها هذه المجاميع لتحقيق مطامحها. وكما تشير الدكتورة ثريا العريض في تعليقها في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي، فإن استهداف تنظيم «داعش» للمملكة ومطامحه العدوانية، سيكون مآله إلى هزيمة، فالسعودية دولة كبيرة وقوية وقادرة على تحجيم خطر «داعش»، ولكن ستبقى المشكلة مستمرة في مناطق الأطراف وبعض المناطق الهشة.
وقد أصبحت المملكة نفسها هدفاً لجميع هذه القوى المتشددة، فبالإضافة إلى هجماتهم الحدودية على المملكة، تسعى هذه المجاميع لإذكاء نيران الطائفية بين المواطنين السعوديين. ولكنّ المملكة لن تسمح البتة بالانجرار إلى النزاع الأهلي الذي تعانيه دول جوار كثيرة. وكما أكدت مديرة مركز الإمارات للسياسات ابتسام الكتبي في مداخلتها في الجلسة الأولى فإن هذا الاستقرار الذي يشابه حديقة آمنة في ظل محيط من الحرائق والخراب لا يمكن ضمان استمراره إلا عبر رؤية خليجية أمنية واضحة وموحدة تجاه المخاطر التي تهدد المنطقة.