منصور النقيدان
الإثنين 26 أكتوبر 2015
يتلقى أحفاد الملك عبدالعزيز منذ نعومة أظافرهم تعاليم الدين، ويلتحقون بالتعليم العام، ويدرسون المقررات نفسها التي يتعلمها الملايين من السعوديين، إلا أن كونهم أبناء ملوك يجعلهم يتلقون تعاليم غير مكتوبة، من قبيل الإرث الشفهي الذي يتجسد عبر تفاصيل الحياة اليومية، في حديث الشيوخ الكبار من الأمراء، وفي المراقبة الصامتة لسنوات لما يدور في مجالس الحكم المفتوحة، وكيف يمكنهم على الدوام توثيق الولاء للوطن وقيادته. يقول أحد مرافقي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعد أن قرأ الأمير كتاب “الأمير” لمكافيللي قال: أنا أنتمي إلى عائلة ملكية تمرست في السياسة وحكم الشعوب لثلاثة قرون، وكانت عبر أطوار تاريخها تختبر حنكتها السياسية بمدى مطابقتها للمبادئ الأخلاقية للحكم والتي كانت تميز حكم أسلاف المسلمين في الفترة المبكرة من حضارتهم.
تمر المملكة بتحديات كبيرة داخلياً وخارجياً، وهي الآن في بؤرة منطقة تعصف بها تحولات جذرية عنيفة، وعلى الرغم من الآلة الإعلامية السعودية العتيقة، وأصدقائها الكثيرين في العالم، والاحترام الذي تحظى به، ومساهماتها الضخمة في مساعدة المجتمعات المتضررة، والدعم الإنساني الكبير الذي لم تتوقف عنه يوماً لكل المجتمعات والشعوب من دون تمييز ديني أو ثقافي أو عرقي، وسعيها الحثيث سياسياً واقتصادياً وعسكرياً إلى فرض الاستقرار والاعتدال ودعم الدولة الوطنية في المنطقة العربية، وكونها شريكاً رئيساً في الحرب ضد الإرهاب ، إلا أنها اليوم تكاد تكون في الإعلام الغربي مصب اللعنات والتهم. من المهم الإشارة إلى مسألة مهمة، وهي أن المملكة وخصوصاً في الإعلام البريطاني تُستهدف سياسياً تشكيكاً بقيادتها وكفاءتها، وشرعيتها والإجماع عليها داخل العائلة وخارجها، وترويجاً لوجود انشقاق وصراع أجنحة يهدد بفشل الأسرة المالكة، أو ينذر بصدامات داخلية. وهذه الأخبار والمقالات نشطت منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، من حين مرض المرحوم الملك فهد، واستمرت هذه الدعايات طوال الخمس عشرة سنة الماضية، تنبعث ثم تخبو حسب التطورات والأزمات الإقليمية، وفقاً لميول حزبية وفكرية عند بعض وسائل الإعلام التي تفسح المجال لمعلقين وكتاب يعبرون عن مصالح دول معادية للسعودية، أو لديهم مشاكلهم الشخصية، أو بقصد الابتزاز. وقد أثبتت العقود الخمسة المنصرمة منذ تولي الملك فيصل الحكم أن الملوك الخمسة الذين يتولى واحد منهم اليوم الملك وهو سلمان بن عبدالعزيز- وهو الأكثر حظاً من بينهم جميعاً شرعية وإقراراً بحكمه- كانوا دائماً هم آخية الاستقرار والأمان. ولم يكن تعاظم أعداد الأمراء من آل سعود وظهور جيل جديد منهم عائقاً أمام هذه الحقيقة. هذا يشرح لنا أن انحراف وعقوق أمير هامشي من أبناء العائلة المالكة واستغلاله من قبل جهات معادية تفسح المجال له إعلامياً، ليست إلا حالات شاذة أثبتت عشرات السنين التي شهدت هذه الحالات أنها لاتجد مكانها ومتنفسها إلا في الصحافة الصفراء التي لا تعمل أثرها إلا بين الرعاع.
في مملكة عرفت الاستقرار والتنمية المتواصلة والتطور عبر 84 عاماً، فإن ثمة حقيقة أكدتها كل الفصول التي مرت بها السعودية، وهي أن وجود بعض الاختلافات بين كبار الأمراء من ذوي المناصب السيادية في معالجة مسائل داخلية أو دولية لم يكن يوماً عرضة للعلنية، ولا أمرا مشاعاً بين الجمهور، فضلاً عن أن تتسرب تفاصيله إلى وسائل إعلام غربية. ورغم المئات من المقالات والتقارير والمؤلفات والدعايات خلال العقود المنصرمة التي ضختها الآلة الإعلامية الغربية وغيرها و تناولت هذه المسألة، إلا أن أياً منها لم يكن ذا مصداقية البتة، وتأتي التطورات في السعودية دائماً مثبتة كذبها وعدم حقيقتها.
التنبه إلى هذه المسألة مهم للغاية، لأنه يعني بالتحديد أن آل سعود يدركون جيداً معنى الوحدة، ومعنى الافتراق والخلاف متى مافرطوا في هذه الركيزة التي حمتهم وحمت مملكتهم ورعاياهم. وهي تؤكد في الوقت نفسه، حقيقة تقع في أي عائلة مالكة وحكم متوارث، بأن وصول شخص هامشي من أبناء الأسرة إلى وسائل الإعلام الغربية وتعبيره عن طموحاته الشخصية هو أمر طبيعي ومتوقع، بل هو أمر صحي. وأن تكرار حالة مماثلة أخرى ممن لا احترام له داخل العائلة، ولاشعبية له، ولا شرعية ولا قبولا اجتماعياً، يعني حقيقة واحدة: هي استقرار الدولة وقوة العائلة وتجددها، وصلابتها، وقدرتها على امتصاص الصدمات، والتجدد والانبعاث دوماً بروح جديدة، وعلى رأس هذه الحقائق أن الملك هو مصدر السلطات، وأنه هو من بيده مقاليد كل شيء. كما أنها ترسخ في الوقت نفسه، الإيمان المتجدد بأن تقليداً عريقاً هو كالتعاليم التي لايمكن تحريفها أو الحياد عنها، وهو أن ملوك آل سعود يثبتون دائماً للعالم تهافت كل الشائعات التي يقع تحت إغرائها كتاب كبار ومحللون تفتح لهم الصحف العالمية صفحاتها.