منصور النقيدان
الإثنين 12 أكتوبر 2015
دور علماء المسلمين اليوم كبير ومضاعف، والاستراتيجية التي أعلنتها الأمانة العامة لهيئة كبار علماء السعودية قبل أسبوعين ضد الفكر الإرهابي هي جزء ضئيل من واجبهم.
يرتبط بهذه المسألة التقرير الذي نشرته أمس الأحد صحيفة «الحياة» السعودية عن كتاب يباع في المكتبات داخل البلاد يشرعن العمليات الانتحارية، متخذاً من ذريعة كونها دراسة تشرح وتعرض آراء الفقهاء والآراء المتنوعة حولها، جُنة يتقي بها النقد والتحذير، والمطالبة بالمحاسبة والمنع. وهذه الواقعة واحدة من الأمثلة التي تضاعف في الأساس من دور الرقابة وأجهزة الأمن، وصناع السياسة وما يمكن أن تضطلع به الجامعات والمؤسسات التعليمية من مسؤولية كبيرة. وفي ذيل سلسلة من الجهات الشريكة، الموكلة بالحراسة على المجتمع ووقايته من الإرهاب وبيئة التطرف والغلو، يقع دور مهم وحساس على المؤسسات الدينية، وأعني هنا دور الفقهاء الذين يتحركون ويفتون ويصدرون بياناتهم بإذن من صانع القرار، أي العلماء ولجانهم ومجالسهم المفوضة.
والخبر الجيد أن الحملة التي استمرت أكثر من أسبوعين وقادها مغردون على الإنترنت ضد هذا الكتاب تسببت أخيراً بسحبه من الأسواق، مع أنها تمت بصمت ودون تعليق من جهات الرقابة. وأياً يكن فهذا جيد، ولكنه خطوة صغيرة ليس لها أثر عميق . لا يمكننا أن نأخذ بجدية كل ما يكرر الآن من أن معظم من تقبض عليهم الأجهزة الأمنية من أشخاص متورطين في الإرهاب وهم بالعشرات كل شهر، إنهم جندوا فقط عبر الإنترنت وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، لأننا بهذا نخلي مسؤوليتنا الحقيقية إزاء محاربة هذا الفكر، وننأى عن المسؤولية الملقاة على عاتقنا في دورنا الكبير والمهم في الالتفات لما تحت أقدامنا، لما يحيط بنا في الواقع، في بيوتنا وفي مدارسنا ومساجدنا وفي مؤسسات التعليم. قبل أن نحط رحالنا في الفضاء السايبري علينا أن نكون واقعيين، فمن الواقع انطلقت كل هذه الدعوات، وكل هذه الشبكات الممتدة، فالعشرات الذين جندوا داخل السجون، والمئات الذين يلتقون في الاستراحات والشقق والمزارع النائية، هؤلاء لا يمكننا أن ندعي أنهم يتواصلون عبر الإنترنت. إنهم يدبون على الأرض، ويهمسون في آذان بعضهم بعضاً بين بيوتنا وفي مساجدنا، إنهم يقتنصون أبناءنا وفلذات أكبادنا في المدارس وفي المناشط الصيفية وفي البرامج التوعوية، إنهم هنا بيننا يزاحموننا بالأكتاف.
قد نخدع العالم أجمع، ونغالط في المعلومات، ونستعرض الإنجازات، ونبالغ في البهجة والغبطة، ولكننا نعلم أن الحية في الدار، وحينها نكون قد أضررنا بأنفسنا وبمستقبل أبنائنا وبسلام وأمن وانسجام أوطاننا.
إن السماح بأن تعرض مراكز البيع مؤلفات تصادم ثوابتنا وسلمنا الاجتماعي، هو وجه من وجوه خيانتنا لأمانتنا، وأن تقوم الرقابة بالتغاضي لسنوات عن كتاب يتضمن شرحاً تفصيلياً لمبررات قتل الإعلاميين والإعلاميات والمدنيين في حالات الحروب، وقتل الأطفال بذريعة المعاملة بالمثل، هو اختصار لأزمتنا الحقيقية مع العالم اليوم.
ومع أن الإشارة إلى كتاب كان في متناول الجميع لسنوات، مثال صادم لنا كونه يخص موضوعاً هو حديث الأمس واليوم والمستقبل الذي لا يعلم إلا الله كيف ستكون مفاجآته، إلا أنه يكثف الأزمة التي نواجهها.
وهنا تأتي الأهمية البالغة لرفع وعي رجال الدين والعلماء بمعنى الأمن الوطني، وتأتي الأهمية البالغة لأن يخضع المسؤولون في جهات الرقابة الإعلامية لدورات مكثفة في الأمن الوطني، ولرفع ملكاتهم الفكرية والذهنية وقدراتهم لوعي ومعرفة المنتجات التي يمكنها أن تكون نواة لأنشطة قد تضر وتهز الاستقرار وتضع الدولة في مواجهة مع العالم. وتُهيِّئُهم لسرعة المبادرة والتحرك والاستباق لوأد أي مشروع يكون في جوفه الأحزان والآلام لنا مجتمعاً وقيادة.