منصور النقيدان
الإثنين 14 سبتمبر 2015
من المؤكد أن الحرب الطويلة ضد تنظيم «داعش» ستكون مفروشة بالآلام والأحزان والدموع، نحن نشارك ضمن تحالف دولي واسع ضد جرائمه ووحشيته، إنها حرب عادلة إن لم تكن الأكثر عدالة هذه اللحظة.
في ظل حركة التاريخ هذه، ما بين المد والجزر، الكر والفر، وفي ثنايا الوحشية التي تتلبس مقاتلي التنظيم ضد المدنيين والحضارة وأجمل ما أبدعته عقول البشر، ما بين اليأس والأمل، وما بين الوسائل والغايات، تبزغ من بين مئات الأبحاث وعشرات وجهات النظر أصوات تلفت النظر إلى أن «داعش» قد تتحول يوماً إلى أمر واقع يفرض نفسه على النظام الدولي!
في رصد لكل ما كتب مؤخراً حول تحول «داعش» إلى «دولة» تسعى إلى الاعتراف الدولي بها واقعاً! أعدته الباحثة زينة الباشا، تشير إلى مقالة نشرتها «الفورين بوليسي» في الأول من أغسطس الماضي حيث كتبت روزا بروكس مقالاً بعنوان «صنع دولة بالحديد والدم»، مؤكدة أنه «من الذي قال إن الدولة الاسلامية لن تكون حليفاً للولايات المتحدة يوماً ما؟ قراءة التاريخ تجعلنا نتكهن أن تنظيم الدولة الإسلامية يسير في الاتجاه الصحيح للشرعية الدولية».
وفي ذات المقال ذكرت الكاتبة أن تكوين الدولة وتعزيز القوى كان دائماً عملاً دموياً. فالمؤرخون وعلماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء السياسة يعرفون هذا جيداً، ولكنهم يتجاهلونه، حرب الثلاثين عاماً، التي شملت مساحات واسعة من أوروبا وقتلت قرابة ثلث السكان في العديد من الأقاليم، غالباً ما ينظر إليها العلماء على أنها كانت أداة لقيام الدولة القومية الأوروبية.
وتنقل الباحثة زينة الباشا عن الكاتبة قولها: نحن نتجاهل الاستمرارية التاريخية بين السلوك الحالي لـ«داعش» والسلوك الماضي لعشرات من الدول التي نعتبرها الآن قوى فاعلة على الصعيد العالمي!
ويبدو لي أن تنظيم «داعش» ينصب جل عمله ضمن حدوده الجغرافية القائمة الآن، ويمكن فهم إعلان بعض المجموعات المسلحة ولاءها له في ليبيا أو نيجيريا أو اليمن أو حتى أفغانستان على أنه بحث عن التمويل، أو الاستفادة من القدرات القتالية والتقنية لجنوده واقتراضها عند الحاجة، إضافة إلى أن من لم يتمكن من الوصول إلى العراق أو سوريا من «المهاجرين» الراغبين في الالتحاق به، ويجدون صعوبة في الوصول إلى مناطق نفوذه، يمكنهم أن يجدوا بديلاً ولو مؤقتا كما يقال «تصبيرة»، إضافة إلى أنه يمكن القول إن التنظيم يحتاج تكتيكياً أن يشن ضرباته خارج حدوده لسببين: أولهما لبعث رسالة أنه موجود ويده طويلة حيثما أراد، والثانية أنه يرسل رسائل إلى الدول التي تحالفت لتوجيه الضربات ضده، بأنه قادر أيضاً على الانتقام في الوقت والمكان الذي يختاره.
ولكن الهدف البعيد النهائي – حسب التحليلات السابقة – هو «دولة» يسعى تنظيم «داعش» إليها، تشمل مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وأنه حين يأتي التاريخ لمصلحة هذا التنظيم، وتتوافر الظروف لإعلان رغبته في الاندماج بالنظام الدولي، فمن المؤكد أنه سيكون مضطراً لسحب مقاتليه، وتجميد العمليات خارج حدوده. ولكن مهما يكن ما يضمره التاريخ، ويستبطنه من مفاجآت أو تحولات، فإن تحالف العالم المتحضر ضد الهمجية والإرهاب الذي يحكم سلوك هذا التنظيم وغيره من الجماعات المسلحة، وهذه القوى الدولية التي حدتها النوايا الحسنة، لتخوض اليوم حرباً عادلة ضد هذا الإرهاب هي نفسها إحدى أدوات التاريخ التي يمكنها أن تثمر عبر حزمها وإصرارها وتركيزها عن إنهاك هذا التنظيم الشيطاني، الذي لابد أن يكون مصيره واحدة من اثنتين، إما انهياره وتلاشيه وذهاب ريحه، وإما أن يكون قد تمخض في داخله عن قيادات أكثر عقلانية، وحينها يكون لكل حدث حديث.