منصور النقيدان
الإثنين 31 أغسطس 2015
قبل يومين وجه القضاء الفرنسي إلى صحفيين فرنسيين تهمة السعي لابتزاز جلالة ملك المغرب بعد أن اجتمعا بممثل عن الديوان الملكي، وطلبا ثلاثة ملايين يورو مقابل صرف النظر عن نشر كتاب يتناول أسرار الملك. إن هذه الحادثة تثير مسألة الدوافع التي يمكن أن تقف خلف الأعمال والكتب والأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية التي تستهدف دولة، أو قيادة سياسية، أو نظاماً ما، أو شركة كبرى، أو شخصية عامة، تلك الأنشطة التي تبدو معنية بقضية إنسانية ما، ولكنها في الآن نفسه تبعث على عدم الارتياح كونها تتحول إلى هوس وإدمان يبدو متعمداً ومبرمجاً حيث التوقيت والظرف واللحظة تجعل من هذه الأعمال ذات تأثير مدمر. وعلى الأخص حينما يصدر كتاب أو تنشر صحيفة أو تبث فضائية برامج موجهة تنطلق من دولة هي نفسها أكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان، وأكثر قمعاً للحريات، ومن مؤسسات ضالعة في فساد ضارب الجذور.
وهذا ما واجهته «هيومن رايتس» منذ سنتين مع البريطاني معظم (أو معزَّم) بك الذي جعل من استهداف الإمارات العربية المتحدة موضوعاً ثابتاً في كثير من تقاريره، حتى وقع أخيراً في يد العدالة البريطانية بعد توجيه مجموعة من التهم ضده بالتعاون مع «القاعدة»، ودعم المنظمات الإرهابية.
والحقيقة أن الابتزاز له أمثلة كثيرة، وحصره بطلب المال أو الابتزاز الجنسي، أو العاطفي هو ضيق في الرؤية. لقد كشفت التطورات والتحولات التي عاشتها المنطقة العربية في السنوات الماضية أن كثيراً من القصص والفضائح والتحقيقات الاستقصائية التي يجهد وراءها من يوصفون بـ«الناشطين» من حقوقيين أو إعلاميين إنما يقف وراء دوافعهم الابتزاز «الخفي». ويمكننا أن نقول الأمر ذاته عن كثير من الحملات الإعلامية التي تنشط في فترات معينة، وتكون موجهة ضد دولة أو نظام سياسي، أو مشروع وطني، أو تتقصّد تتبع كل دقيقة وجليلة في تفاصيل حيوات بعض القيادات السياسية والشخصيات العامة بهدف ظاهر هو الحط من سمعتهم، وتشويه مكانتهم وتشكيك شعوبهم ومواطنيهم بنزاهتهم وبحرصهم على مصالح وطنهم. وهنا لا أتحدث عن هوس الإعلام والباحثين عن الحقيقة الذين جعلوا من خدمة الحقائق نسكهم وحياتهم، ومصدر رزقهم. هنا خيط رفيع بين الدوافع النزيهة أو تلك التي قد تكون أحياناً خرقاء وساذجة، وبين تلك التي يقبع في دهاليزها المظلمة من هم أكثر فساداً وأكثر خطراً وأفتك ضرراً بالأوطان ومصالحها.
وقد أتيح لي في الفترة الماضية التعرف على بعض من الصحفيين والإعلاميين الذين تخصصوا لسنوات في استهداف دولة عربية، أو نظامها. ومن المؤسف اكتشاف أن كثيراً من هذا البعض، هم غالباً أقل نزاهة من السياسيين أنفسهم الذين اجتهدوا في النيل من سمعتهم، والطعن في شرفهم، أو محاولة إثارة رعاياهم ومواطنيهم ضدهم.
ويمكن القول إنه حتى بعض الدوافع الشخصية التي تجعل من بعض الإعلاميين يحوِّلون اهتماماتهم لاستهداف دولة عربية، أو قيادة سياسية، أو ملك ما وعائلته، تكون دوافعهم الشخصية البحتة، وأحقادهم الإثنية أو القبلية أو الحزبية والطائفية، هي لا تقل سوءاً ولا فجوراً عن الابتزاز المالي والعاطفي. هل هذا يعني أن نقفل كل الطرق ونجرم كل عمل صحفي يسعى وراء الحقيقة؟ الجواب قطعا هو لا. ولكن كيف يمكن فهم أن يعمد كاتب فرنسي، أو بريطاني من أصول باكستانية، أو أميركي من أصول إيرانية، أو هولندية من أصول صومالية، أو باحثة من عائلة حكمت يوماً في الزمن الغابر ثم غابت شمسها وزال ملكها، أن تجعل من دولة خليجية أو من زعيم سياسي أو من مؤسسات وطنية مركز الاهتمام الذي لا يهدأ!