منصور النقيدان
13 أغسطس 2015
التاريخ يؤكد دائماً أن الحروب التي تجتاح دولا في وحدة هشة، تكون أوضاعها بعد الحروب أكثر ضعفاً، فكيف إذا كانت حرباً أهلية داخلية أفسحت المجال للتدخل الخارجي؟! إن قرابة عشرين عاماً من الذاكرة الجنوبية المعذبة تجاه تفوق الشمال، وتهميشه للجنوبيين والأثرة عليهم، قد تعززت بشكل أكثر قسوة ومرارة بعد الاحتلال من جانب قوات الحوثي وصالح. لكن هل سيجعل اليمن الجديد الحراك الجنوبي الذي أصبح اليوم أكثر قوة وتشبثاً بحلم استقلال جنوبه عن شماله، قانعاً باتحاد فيدرالي يتقاسم فيه الثروات والمناصب مع بقية مكونات اليمن؟
علينا أن نتذكر أن اليمن عاش منذ 2011، تطورات عديدة تمثلت في الانتفاضة الشعبية التي أسقطت الرئيس صالح، بعد مبادرة خليجية متعثرة، ومنذ عام 2006 عاشت محافظات الجنوب حراكاً مطالباً بالانفصال، لكن المبادرة الخليجية أحيت آمال الجنوب بأوضاع أفضل، إلا أن ظل صالح الكئيب كان لايزال مخيماً على اليمن، ليعيش الجنوب مرة أخرى رعب الخطر القادم من الشمال ومعاناته مع احتلال صالح والحوثيين لعدن.
ستثمر حرب تحرير اليمن حزمة من الحقائق الجديدة، وأوضاعاً كانت في طور الاختمار، أو في مرحلة التخلق قبل «عاصفة الحزم» بسنوات وربما بعقد أو عقدين، كما أن مسار الحرب نحو تحرير الشمال، سوف يثمر تحديات كانت متوقعة أو محتملة، وقوى سياسية جديدة صاعدة، بينما ستعيد قوى أخرى تشكيل نفسها، وتغيير جلدها، واستعادة بعض أو جل ما خسرته في السنوات التي أعقبت تخلي الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن الحكم إثر المبادرة الخليجية، التي تهاوت تحت احتلال الحوثيين لصنعاء في سبتمبر الماضي، ليخلق صعود الحوثيين الصادم مع حليفهم علي صالح، واقعاً جديداً، وخسوفاً لقوى أخرى، حتى بلغت الأزمة ذروتها مع زحف «الانقلابيين» نحو جنوب اليمن واحتلال عدن، التي دفعت السعودية والإمارات لتشكيل تحالف عربي لتحرير اليمن عبر «عاصفة الحزم» التي تمكنت، بعد قرابة أربعة شهور، من تحرير محافظات الجنوب زاحفة نحو الشمال، وشمال الشمال، ليجد اليمنيون أنفسهم في أحضان يمن جديد، رغم كل آماله، وأحلامه، ووعوده العذبة، إلا أنه على أعتاب مرحلة قاتمة، تتمثل في تهديدات حقيقية ومخاوف ارتكاسات، يأتي في مقدمتها احتمال تقسيم اليمن وانفصال شماله عن جنوبه، الذي يسعى التحالف إلى عدم وقوعه والحيلولة دون انجراف القوى الجنوبية نحوه، ومنها عودة «الإخوان المسلمين» إلى لعب دور سياسي أكبر مما يتوقع، وأخطر مما كانوا قد قنعوا به في السنوات الأربع الأخيرة.
الوحدة والانفصال
تضمنت وثيقة مؤتمر الرياض الذي عقد في 17 مايو الماضي مجموعة من القرارات المتصلة بشكل الدولة اليمنية بعد التحرير؛ مثل إقامة الدولة المدنية الاتحادية، وحل قضية الجنوب، والتعجيل بعودة صعدة إلى ما كانت عليه قبل الحرب في 2004، والدعوة إلى تكوين جديد للجيش والأمن وتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لتأمين المدن الرئيسية، والإشراف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وضمان الانسحاب الكامل لقوى التمرد من كافة المدن، وتسليم الأسلحة والمؤسسات، وتشكيل اللجنة العليا للإغاثة، وتفعيل دورها بما يضمن وصول المساعدات الإنسانية الى مستحقيها، وتدعو إلى فتح فرص عمل لليمنيين في الخليج، كما تم إنشاء لجنة وطنية لمتابعة تنفيذ مقررات وثيقة الرياض، تضم أفراداً من مختلف مكونات اليمن السياسية والمدنية للعمل على إعادة العملية السياسية في اليمن إلى مسارها الصحيح.
ستثمر حرب تحرير اليمن واقعاً جديدا، أو يمناً جديداً، بنتائج وتحديات كبيرة، مما يثير تساؤلات أهمها: هل سيبقى اليمن موحداً، فيدرالياً، أم أن شماله سينفصل عن جنوبه؟ أم أن وضعه سيكون أسوأ من ذلك، مقسماً مهشماً تطحنه لسنوات حرب أهلية.. يمن غارق في دوامة من الثأرات في مجتمع قبلي محطم؟
وقد أكد «التحالف العربي» الذي تقوده السعودية والإمارات، والرئيس هادي وحكومته، أكدوا الدوام أن وحدة اليمن والحفاظ عليه من التقسيم، ركن أساسي لهذا التحالف، ولب رؤيته وأهدافه.
ويمكننا تلمس هذه الصدقية على الأرض، فقد أعلن الرئيس هادي، وقيادة التحالف بأن تحرير اليمن من قوات صالح والحوثيين لن يتوقف عند حدود اليمن الجنوبي قبل مايو 1990، بل سيشمل التحرير جميع مدن اليمن ومحافظاته، بما فيها صنعاء العاصمة.
لكن التاريخ دائماً يؤكد أن الحروب التي تجتاح دولا في وحدة هشة، تكون أوضاعها بعد الحروب أكثر ضعفاً، فكيف إذا كانت حرباً أهلية داخلية أفسحت المجال للتدخل الخارجي؟! إن قرابة عشرين عاماً من الذاكرة الجنوبية المعذبة تجاه تفوق الشمال، وتهميشه للجنوبيين والأثرة عليهم، قد تعززت بشكل أكثر قسوة ومرارة بعد الاحتلال من جانب قوات الحوثي وصالح. لكن هل سيجعل اليمن الجديد الحراك الجنوبي الذي أصبح اليوم أكثر قوة وتشبثاً بحلم استقلال جنوبه عن شماله، قانعاً باتحاد فيدرالي يتقاسم فيه الثروات والمناصب مع بقية مكونات اليمن؟
علينا أن نتذكر أن اليمن عاش منذ 2011، تطورات عديدة تمثلت في الانتفاضة الشعبية التي أسقطت الرئيس صالح، بعد مبادرة خليجية متعثرة، ومنذ عام 2006 عاشت محافظات الجنوب حراكاً مطالباً بالانفصال، لكن المبادرة الخليجية أحيت آمال الجنوب بأوضاع أفضل، إلا أن ظل صالح الكئيب كان لايزال مخيماً على اليمن، ليعيش الجنوب مرة أخرى رعب الخطر القادم من الشمال ومعاناته مع احتلال صالح والحوثيين لعدن.
في مؤتمر الرياض في مايو الماضي كان اختلاف الأطراف اليمنية المشاركة في توقيع الوثيقة وعدم قدرتها على العمل المشترك واضحاً. فلولا جهود المملكة لما أمكن أصلا الخروج بوثيقة الحوار الوطني خلال يومين. ومن يتابع مسار الحوار الوطني في اليمن بعد خلع الرئيس صالح سيدرك مدى عجز السياسيين اليمنيين التقليديين عن الخروج بتوافق عام في وقت قصير. وكان هناك الكثير من التسريبات من داخل المؤتمر التي تشير إلى الخلافات بين مختلف الأطراف اليمنية، لذلك يمكن القول بأن تلك الوثيقة كانت تمثل توافق مختلف الأطراف على العمل مع المملكة، لكن ليس توافق الأطراف اليمنية على العمل المشترك فيما بينها. إن تطور مسار الأمور منذ يونيو الماضي حتى هذه اللحظة، لا يعني ضمانة بأن هذه المكونات سوف تكون بعد التحرير أكثر نضجاً وقدرة على الحوار والتوافق، وهم بالتأكيد سيكونون بعد تحرير اليمن، أكثر عجزاً عن العمل كشركاء. لقد خبرت الرياض خلال السنتين الأخيرتين كثيراً من الخيبات في الشيوخ والقيادات اليمنية التي كانت وفودهم لا تتوقف، وعرائضهم ومطالبهم الشخصية تنهال، وحساباتهم البنكية وحقائبهم اليدوية متخمة بالأموال.
«الإخوان» ومحاولة العودة
أبرز تغيّر حصل في خريطة القوى العسكرية في اليمن عندما دخل الحوثيون إلى صنعاء في سبتمبر 2014، كان انهيار منظومة «الإخوان المسلمين»، والتي بدأت عملها في اليمن منذ أربعينيات القرن الماضي، وساهمت في كلٍ من ثورة 1948 واغتيال الإمام يحيى حميدالدين، وثورة 1962. بدأ «الإخوان المسلمون» عملهم في السيطرة على مفاصل الدولة اليمنية منذ اللحظة الأولى لانتهاء الحرب الأهلية في اليمن (1962-1970). وقد عمل «الإخوان المسلمون» في اليمن منذ السبعينيات على توجيه أعضائهم للذهاب إلى الكليات التربوية أو العسكرية. فدخلوا الكلية الحربية وكلية الشرطة والكلية الجوية ثم تم تحويل الطلبة المتفوقين منهم إلى الأمن السياسي. وبذلك فقد استطاعوا أن يسيطروا على مفاصل مؤسستي الأمن والجيش في الدولة. أما خريجو التربية والشرطة فتم إرسالهم للخارج للحصول على شهادات عليا ثم عادوا ليسيطروا على الجامعات والنيابات والأمن السياسي الذي أصبح مسيطراً عليه من قبل عناصر «الإخوان المسلمين» (مقابل الأمن القومي المسيطر عليه من قبل علي صالح). بل حتى المدارس الأهلية في صنعاء، كانت نسبة 80 في المئة منها تتبع لجماعة «الإخوان» ونسبة 10 في المئة منها تتبع لتجار من حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (وهو الذراع السياسية لجماعة «الإخوان» ذاتها).
وقبل خروج علي عبدالله صالح من سدة الحكم، كان لدى «الإخوان» ما يقرب من 70 في المئة من مديري الوزارات. وأما بعد علي عبدالله صالح فقد زادت سيطرتهم بشكل ملحوظ، حيث أحكموا قبضتهم تماماً على الجوازات وعلى كافة المنافذ الجوية والبحرية وعلى دوائر الضرائب.
وكان علي محسن الأحمر إخوانياً منذ أن كان في الكلية الحربية. ويشاع أنه في السبعينيات من القرن الماضي رفض ذات مرة، هو ومجموعة من الضباط، تأدية التحية للعلم، لأنه «شِرك». إن كافة المؤشرات كانت تدل على علاقته بجماعة «الإخوان»، وبشكل أساسي احتضان فرقته الأولى مدرع للإسلاميين والقاعديين السابقين وللسلفيين الجهاديين. والجديد في علاقته مع الإخوانيين هو أنه قرر الإفصاح عن ذلك لوفد من قبيلة سنحان أتى إليه للصلح بينه وبين علي صالح في 2011، فقال لهم: «أنا أنتمي لتنظيم»، وهو أمر لم يصرّح به من قبل البتة.
في عام 1991 تأسس حزب «التجمع اليمني للإصلاح» كذراع حزبية لجماعة «الإخوان المسلمين»، لكن مشاركة «الإخوان المسلمين» في الحكم في اليمن تعود إلى بدايات حُكم علي عبدالله صالح. فقد أصبح علي محسن الأحمر راعي جماعة «الإخوان المسلمين» من داخل المؤسسة العسكرية، في حين صار الشيخ عبدالله الأحمر الراعي القبلي للجماعة. وبذلك نشأت الشراكة الثلاثية للحكم، والتي دامت حتى عام 2011. وكان لكل من علي محسن الأحمر والشيخ عبدالله الأحمر وقيادات «الإخوان المسلمين»، مثل الزنداني، أجندتهم الخاصة ورغبتهم في السيطرة، ولذلك حصلت بينهم منافسات في بعض الأوقات.
وفي عام 2011 شعر «الإخوان المسلمون» بأنهم في حاجة إلى محاصرة علي صالح، فذهبوا للتفاهم مع الحوثيين. وتمت عدة لقاءات وخرجوا باتفاق من 12 نقطة. «الإخوان» حينها كانوا بحاجة لحليف استراتيجي، لكن بعد المبادرة الخليجية رأى «الإخوان» أن أمامهم فرصة للسيطرة على الدولة من دون الحاجة للحوثيين، فتراجعوا عن الاتفاق، ثم فتحوا جبهات مسلحة على الحوثيين في حجة ثم الجوف وفي دماج، التي كانت مركزاً تعليميا مهماً للسلفية عموماً وللسلفية الجهادية على وجه الخصوص. وبعد سقوط صنعاء حصل حوار آخر بين «الإخوان» وجماعة الحوثي. كان غرض «الإخوان» إنقاذ ما بقي لهم من مؤسسات وقيادات، وأن يرسلوا رسالة بأنهم ما زالوا فاعلين وقادرين على فرض الحوار مع الحوثيين. لكن في تلك المرحلة فقط رفض الحوثيون التحالف معهم.
ويُتهم حزب «التجمع اليمني للإصلاح» بعلاقته مع «القاعدة»، وتتناول هذه الاتهامات علي محسن الأحمر على وجه الخصوص، حيث توثقت العلاقة بين «الإخوان» و«القاعدة» في اليمن خلال السنوات الأخيرة، ومع تعاظم نفوذ الحوثيين، لأن «القاعدة» كانت بالنسبة لهم الأمل الوحيد لموازنة الحوثيين.
وما زال هناك تأثير لعلي محسن الأحمر ولحميد الأحمر على العناصر الإخوانية الموجودة في اليمن، من خلال المال وشبكة العلاقات. وما زال كل منهما ــ وبشكل خاص علي محسن ــ قادراً على تحريك خلايا «القاعدة» في اليمن. كذلك ما زال لـ«الإخوان المسلمين» التأثير القوي بسبب الأرضية الثقافية التي نشروها خلال العقود الماضية، والقيادات العسكرية التي ما زالت منهم، والموظفون من الدرجة الثانية والثالثة في الدولة، وبعض قنوات الإعلام التي لا تزال تحت سيطرتهم، والجامعات والمدارس الأهلية، والاستثمارات الهائلة التي لديهم، وبعض المشايخ الموالين لهم، مثل الشيخ الحنق في أرحب وأمين العكيمي في الجوف وبعض المشايخ الآخرين من مأرب وعبيدة.
لقد استفادت دول الخليج مما حصل في اليمن في كونها تخلصت من نفوذ «الإخوان المسلمين» وسيطرتهم على «الدولة» اليمنية، في الوقت الذي أصبحت فيه الدول الخليجية تمتلك ترسانة مسلحة لا نظير لها مقارنة بقدرات الإخوان المسلمين في أي مكان آخر من العالم. فقد كان حزب «الإصلاح» دولة في «لا- دولة». كان يسيطر على مؤسسات حكومية سيادية، وعلى كتائب عسكرية وميليشيات قبلية، وقد ضعف كثيراً مع تعاظم قوة الحوثيين، والذين أسهمت «عاصفة الحزم» في إضعافهم، لكن «الإخوان» الآن يحاولون العودة من جديد مستفيدين من نتائج «عاصفة الحزم».
حرب «الإخوان»!
في الحوارات التي يجريها عبدالمجيد الزنداني، يؤكد أنه يقف إلى جانب المقاومة، كما أن قادة من حزب «الإصلاح» يقولون إن من يحدد مستقبل اليمن السياسي ومن يحكمه هو الشعب اليمني نفسه. وهم الآن يقولون «قدمنا شهداء»، والزنداني عرض نفسه كبطل، وكمحرك سياسي. وفي الأيام الماضية قاموا بمسيرات استعراضية في صنعاء، وتعرض بعض كوادرهم للمداهمة والاعتقال من قبل الحوثيين.
قدم إخوان الخليج لإخوان اليمن هدية، عبر سعيهم في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لترسيخ تصور مفاده أنّ الدول الخليجية قامت بـ«عاصفة الحزم» لتحمي نفسها من تمدد النفوذ الإيراني، ولتستعيد السعودية علاقتها بالإسلام السياسي، تبعًا لذلك. وعلى هذا الأساس – حسب هذه الزعم – فإن التعامل مع المكوّن السني هو الأساس الذي تقوم عليه العاصفة، مما سوف سيفضي إلى التعاون مع أنشط العاملين من المذهب السني في اليمن، وهو «التجمع اليمني للإصلاح».
لكن كيف ينظر «الإخوان» إلى عاصفة الحزم؟ وكيف يصورونها ويستخدمونها؟ ينظر الإسلاميون للعاصفة على أنّها فرصة لاستعادة دورهم، عبر ترسيخ الفكرة القائلة بأنّ المشرق الإسلامي السني يُتهم بالإرهاب، وذلك لصالح الشيعة، لذا يجب التعاون مع «الإخوان المسلمين» لمواجهة هذا الخطر، سواء في اليمن أو سوريا أو العراق، والتنسيق مع تركيا السنية، بدعوى وجود ثغرات في أمن الخليج، فالصفويون يفوزون لأننا انشغلنا بـ«الإخوان»؟ وهكذا يقدم الإسلاميون أنفسهم كشركاء في «عاصفة الحزم»، فوجود محسن الأحمر، ومشاركة آل الأحمر في مؤتمرات الحوار في السعودية وقطر، وفرار الزنداني.. كل ذلك شجّع على عقد هذه المؤتمرات.
بعد وصول الزنداني إلى الرياض، قدّم نفسه كبطل وصاحب كرامات، وكقائد للمقاومة. كما أنه منذ أن بدأت «عاصفة الحزم» وحتى بعد الانتصار في تحرير عدن، تتابعت الإشارات والهجمات من «إخوان» السعودية والخليج على دولة الإمارات العربية المتحدة.
سيناريوهات وجهود
والسؤال الآن: ما هي خيارات التعامل مع الإصلاح؟
السيناريو الأول (رؤية إخوانية): منح حزب «الإصلاح» القيادة بوصفه رأس «السنّة» في اليمن. وهذا سيسهم في تقوية الزيدية وتيار الحوثي، ويعمق المشكلة الطائفية وجراحات الحرب في اليمن.
السيناريو الثاني: قمع «الإصلاح»، وتصنيفه كجماعة إرهابية، مما يدفعه نحو التحول إلى «القاعدة».
السيناريو الثالث: «الإصلاح»، شأنه شأن الجماعات المؤثرة في العهد السابق، سواء الحوثيون أو «المؤتمر الشعبي العام» بقيادة علي صالح، أو البيوت المرتبطة بأي من هذه القوى، لا يمكن إقصاؤه، لكن لا يمكن إعادة دعمه وتقوية نفوذه، بل يسمح له بأن يأخذ وزنه الطبيعي، لكن وفق قواعد الحياة المدنية الجديدة، التي تمنع استغلال الدين والطائفية وتستوعب الجميع.
مع تعاظم دور «القاعدة» و«داعش»، فإن علينا أن نقلق من مستقبل قاتم ومعتم، قد يجعل من قوات التحالف على الأراضي اليمنية، والقوات الحكومية، هماً وشغلاً لهذه التنظيمات. وعلينا أن نتذكر دائماً أن انتعاش الإسلام السياسي في أي بلد يتساوى دائماً مع انتعاش المنظمات المسلحة.
وأخيراً، لكي يتعافى اليمن، ويكون مؤهلاً للتماسك والحفاظ على وحدته، فإن جهوداً جبارة كبرى لابد أن تبذل، ولسنوات طويلة، فهذه الأمة المهددة بالمجاعة، والمحطمة التي تفتك بها الأحقاد والثارات القبلية والجهوية والمناطقية، تحتاج إلى مواجهة ذاتها والتصالح مع نفسها عبر مواجهة الماضي الأليم، وتجاوزه، لكن اليمن لن يتمكن من ذلك وحيداً، بل سيحتاج إلى دعم كبير وهائل وتنمية مستدامة، وإعادة إعمار وبرامج تأهيل، وأموال طائلة، يبدو أن مجلس التعاون الخليجي هو من سيتكفل بعبئها الأكبر.
وفي حال سعى اليمنيون الجنوبيون، وهو أمر لا يتمناه المحبون لليمن، ومع تعاظم دور الحراك الجنوبي، وكثير من قيادات المقاومة، إلى فرض الانفصال عن الشمال، وجعله واقعاً، فإن دول «التحالف العربي» لن تخوض حرباً من أجل يمن موحد، فالتاريخ منذ مئات السنين يؤكد لنا حقيقة تاريخية ملخصها: أن اليمن وحل لا يمكن لمن توغل فيه الخلاص من آثاره.
الأكثر أهمية من كل هذا هو أن حرب تحرير اليمن درس للجميع، ليس لليمنيين قوى وأفراداً وقبائل فحسب، بل حتى لدول التحالف. علينا أن نحسب الخسائر والمكاسب، ونقدر الاحتمالات وحجم المخاوف والمهددات، والحقائق والوقائع على الأرض، والمصالح الاستراتيجية التي تحققت أو تم الحفاظ عليها.
وما هو جدير بالاعتبار والتفكر والدراسة والقلق أيضاً، أنه منذ يوم 26 مارس الماضي، فإن دول «التحالف العربي» قد أصبحت مسؤولة وشريكا في كل ما يجري في اليمن حاضراً ومستقبلاً ولسنوات طويلة. لكن هل هذا يعني أن تعيش هذه الدول تأنيب ضمير مزمن، إثر كل إخفاق متوقع أو ارتكاس لجهودها ومساعيها النبيلة؟ التاريخ يجيبنا بأن المراس والواقعية والإيمان الراسخ بحماية المصالح الاستراتيجية من دون غيره، هو ما يجعل الدول أكثر مناعة من أن تكون عرضة لتأنيب الضمير، تلك الآفة المدمرة التي تجعل الدول وقياداتها مشوشة ومترددة وعرضة للاستغلال والابتزاز.