منصور النقيدان
الإثنين 03 أغسطس 2015
لا تزال أعداد كبيرة ممن عرفوا الرق في مقتبل عمرهم يعيشون بيننا في جزيرة العرب، حيث مضى قرابة خمسين عاماً من حين حصلوا على حريتهم، وتحتفظ بعض من العوائل الثرية المقتدرة بقصص أخاذة ومؤثرة تحكي ردة فعل المعتقين في السعودية إثر إصدار أمر تحريرهم في الستينيات الميلادية. وكذلك تفاصيل هروب بعضهم من بيوت وقصور أسيادهم من حين أذيع البيان الحكومي عبر الراديو، بينما تردد آخرون، في الوقت الذي اختارت فئة منهم البقاء خدماً أوفياء بحثاً عن الأمان، وعلى الأخص الذين أدركتهم الحرية وهم في طور الاكتهال أو في خريف العمر.
في رسالته بمناسبة «اليوم الدولي لإلغاء الرق»، الذي يتم إحياؤه في الثاني من ديسمبر كل عام، دعا الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» قادة العالم ورجال الأعمال والمجتمع المدني على حد سواء إلى «إبعاد الممارسات الوحشية»، وأنه «يجب أن تقف الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص صفاً واحداً للقضاء على جميع أشكال الرق المعاصرة، بما فيها السخرة».
وقد ألغيت العبودية أو الرق على المستوى الرسمي من كل أرجاء العالم، إلا ما يشاع من وجودها سراً في بعض الدول مثل موريتانيا، غير أن تمظهراتها ما زالت قائمة من خلال الاتجار بالبشر، وتشغيل الأطفال، ومن ضمنها إشراكهم في النزاعات المسلحة، والاستغلال الجنسي لهم، والعمل العبودي، وغيرها.
وبموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 ألغيت العبودية. ولكن أعادت النزاعات المسلحة الجارية في العراق وسوريا، ولاسيما بعد سيطرة الجماعات الدينية المتطرفة (داعش والنصرة) على أجزاء من الأراضي العراقية والسورية، الحديث عن «العبودية المعاصرة».
وقد تزايد الاهتمام بهذه القضية الخطرة والحيوية على المستويين الإقليمي والدولي، مع تعرض النساء الإيزيديات في العراق للسبي وبيعهن في ما يسمى «سوق النخاسة». هذا إلى جانب استغلال الأطفال وتجنيدهم وإشراكهم في النزاع المسلح. كما برزت قضية «تجارة الأعضاء البشرية» التي يديرها «داعش»، حيث ثمة أدلة على أن «داعش» يعتمد الاتجار في الأعضاء البشرية مصدراً للدخل في العراق، كما قام التنظيم بقتل الأطباء الذين رفضوا التعاون معه. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الإيزيديات اللاتي تعرضن للخطف بلغ نحو 2500، في حين يقول ناشطون إيزيديون، إن عدد النساء المفقودات يقارب 4600 ونقلت مجلة «نيوزويك» عن الباحثة الكردية نازاد بيغيخاني، من مركز أبحاث العنف والجندر في جامعة بريستول، أن هؤلاء النساء يعاملن مثل «الماشية». ويخضعن للعنف الجسدي والجنسي، بما في ذلك الاغتصاب المنهجي المتكرر والاستعباد الجنسي. كما تم عرضهن في أسواق في الموصل والرقة، وعليهن شواخص. وكما نشرت الشرق الأوسط فإن «داعش» يقوم بتوزيع كتيب «جهاد النكاح» و«السبي والرقاب» على مقاتليه. وتستند هذه الجرائم على تراث فقهي لا يزال كثير من الفقهاء المعاصرين متمسكين به، غير راضين بإلغائه، وبعض ممن يتظاهرون برفضه اليوم في الإعلام، لا يزالون في مجالسهم الخاصة وبين طلبتهم يقرونه ويربطونه بحالة الضعف والتمكين!
وفي سياق مرتبط فإنه على الرغم من أن القوانين في بلادنا تحرم وتعاقب أي تجريح أو لمز في الأصول، أو ربط للون البشرة بالعبودية، فإنه لا تزال في ثقافتنا، وفي مفردات كلامنا، وحين التشاحن والتلاسن تنضح تلك الكلمات العنصرية والمحقرة. وفي مسقط رأسي بريدة وسط السعودية شهدت المحاكم قبل سنتين قصة مؤسفة إثر تلاسن بين اثنين من أعيان المدينة، انتهت بحكم قضائي بجلد أحدهما بعد وصفه الآخر بـ«العبد». وأخيراً فإن استذكار نضال البشرية ضد العبودية، يمكن أن يختزله اثنان من الأفلام الرائعة والمؤثرة، وهما Amazing grace، والثاني Amistad.