الإثنين 27 يوليو 2015
في سبتمبر 2011 استضاف مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية طارق رمضان وهو مفكر إسلامي وحفيد حسن البنا، وابن واحد من أبرز قيادات «الإخوان» في أوروبا. وكان «رمضان» الذي ألقى محاضرة عن «مستقبل الإسلام السياسي في العالم العربي»، قد ذهب يومها إلى أن الثورات التي اجتاحت العالم العربي ليست ثورات إسلامية أو ما بعد الإسلامية، نافياً أن تكون حتى انتفاضات إسلامية، مؤكداً أنها لا تشكل نهاية الإسلام السياسي.
كانت تلك البادرة التي استضيف فيها «رمضان» رسالة لكل الذين يمكنهم أن يكونوا شركاء في الرؤية التي انتهجتها القيادة الإماراتية، في مسيرة التنمية وروح التسامح والتبشير بالتدين البسيط الخالي من السياسة، سواء كانوا في الداخل أو الخارج. كانت رسالة للجميع أن الباب مفتوح لكل من أراد أن يكون شريكاً، من دون إقصاء لأي تيار، وكانت مبادرات أخرى عديدة من قبل ومن بعد تصب في هذا الاتجاه، ومنذ ربيع 2012 حتى اليوم حدث الكثير من التحولات الجذرية في العالم العربي، وبقيت الإمارات أكثر ازدهاراً وتسامحاً وسعادة ورحابة صدر، وخسر الذين راهنوا على خلاف ذلك، ومع ذلك فيبدو أن الباب اليوم لازال مفتوحاً حتى الآن.
إننا اليوم نمر بمرحلة حرجة للغاية نشهد فيها ظهور ميلشيات مسلحة تهدف إلى استخدام الأديان لصبغ الصراعات الجيوسياسية بمبررات دينية وثقافية وللتغطية على أطماعها التوسعية وتبرير جرائم الحرب التي تقوم بها. إن مبدأ سحق الآخر، وهدر الكرامة الانسانية وبيع النساء والأطفال في سوق النخاسة، كما يحدث في سوريا والعراق ودول أخرى، ومحاولة استقطاب الشابات والشباب لخدمة هذه الأجندة الهمجية الرجعية باستخدام دعاية الكراهية والعنف، ومحاولة تسويغها بنصوص دينية وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ هو نذير شر للبشرية أجمع، وإننا جميعا مسؤولون عن وقف هذه الهمجية والرجعية وهزم أجندتها اللا إنسانية.
وتمثل الإمارات العربية المتحدة اليوم بؤرة التنوير التي يمكنها ليس أن تحافظ وتديم على هذه الروح من التسامح فحسب، بل مساعدة الآخرين من أبنائها ومن غيرهم على أن يكونوا مساهمين في هذه المسيرة، واحتواء أولئك الذين يمكنهم أن يقدموا لوطنهم الكثير من خبرتهم في هذا المجال، حتى من ذوي التوجه الإسلامي الذين عليهم أن يعوا قبل ذلك أن أمن الإمارات والولاء للوطن قبل كل شيء.
إن واحداً من أهم العوامل المساهمة في الأزمات الجنونية التي تحرق منطقتنا وإرثنا الحضاري هو «مبدأ عدم التسامح مع الآخر»، متمثلا في عدم الاحتفاء بالآخر- على أحسن تقدير- ورفض الثراءالإثني والثقافي التي تميزت بها منطقتنا على دوام التاريخ. إن العالم المؤمن بحوار الحضارات والتعايش السلمي بحاجة لتجربة الإمارات التي تقودها أبوظبي، التي سعت إلى إيجاد قادة في التفاعل الثقافي ممن يملكون المهارات المطلوبة، قادرين وجاهزين ومستعدين لدعم التفاهم الثقافي في مجتمعاتهم. ويأتي على رأس المشاريع الملهمة سعي أبوظبي لتأسيس «منتدى تعزيز السلم»، ثم مجلس حكماء المسلمين الذي أصبح الآن مؤسسة قائمة بذاتها، ومركز «هداية» لمكافحة التطرف العنيف، وأخيراً مركز «صواب».
ولكن أيضاً من المهم أن يكون من أبناء هذا البلد الطيب قادة يمتلكون الثقة والاندفاع والشغف والتفاؤل. هذه سمات أساسية لكل من عليه مواجهة تحديات التطرف والإرهاب وكذلك العنصرية والإقصاء والتنميط، وقد توجت كل هذه الخطوات أخيراً بقانون مكافحة التمييز والكراهية الذي جعل الإمارات في موقع الريادة.
إن تغيير العالم يحتاج إلى تحمّل وحزم وتعاطف وإصرار. الناس ليسوا سيئيين بطبعهم، ولكن أحيانا سوء فهمهم لبعض يمكن أن يدفعهم نحو قرارات سيئة نحو بعض. نحتاج أن نغير الطريقة التي يفهم فيها الناس بعضهم البعض، ويحتاج أولئك الذين زلت أقدامهم أيضاً إلى منحهم الفرصة، فحتى الذين انخرطوا قبل سنوات مضت في ظلمات التنظيمات هم أيضاً يتغيرون ويتحولون. علينا أن نمنحهم الفرصة، فقد يخرج من تلك الرؤوس الكثير الجيد، فليكن هنا نور، وهناك نور.