منصور النقيدان
الإثنين 29 يونيو 2015
في الساعات الماضية كشفت وزارة الداخلية الكويتية، عن منفذ العملية الإجرامية التي استهدفت مسجداً لأبناء المذهب الشيعي في دولة الكويت، وهو سعودي، جندته «داعش» لتنفيذ مخططها في ضرب الاستقرار والوئام الذي تنعم به الكويت وطناً وشعباً. إن تجنيد هذا الشاب وآلاف مثله من أجل دولة الخلافة، لهو أمر يستحق التوقف والتساؤل.
تكشف سور آل عمران والنساء والأنفال والأحزاب والتوبة ذروة المصارحة والمكاشفة للأخطاء، والأمراض والعلل التي كان يعاني منها المجتمع المسلم، والأحقاد والضغائن بينهم، والغرور، والرغبات القاتلة التي تفتك بهم، والنفاق المستشري، ومنها الميل إلى أعداء الرسالة، والمداهنة، وعصيان الأوامر، وإثارة الشائعات، إلى شرح مسهب ومفصل للعوامل التي أفضت إلى هزيمة المسلمين في أُحد وأزمتهم في الأحزاب، وكانت وراء ضعفهم وفشلهم.
ومع أن هذه السور كانت تخاطب الرسول، صلى الله عليه وسلم، وصفوة أتباعه الذين قادوا بعد ذلك مهمة نشر الإسلام والفتوحات وأقاموا دولة الخلافة، وفيهم عشرات ممن أصبحوا كبار الفقهاء، ومئات من أعظم المحاربين، وخلاصة القراء الذين تولوا جمع القرآن في عهد أبي بكر وجمع المصاحف ثم توحيدها في عهد عثمان، كما أن منهم من تولوا بعد سنوات أكثر الوظائف السياسية حساسية في عهد الخلفاء الأربعة الأوائل، إلا أن المسلمين كانوا من الأمانة بمستوى لم يحدثوا فيه أنفسهم أن يخفوا تلك الآيات، ولا أن يسقطوها، ولا أن يحرفوا مبانيها فضلًا عن معانيها، وقل مثل ذلك في رواية ما حدث وتفاصيل الخلافات والصراعات بينهم.
إن سورة (عبس) والعتاب الذي تضمنته السورة للرسول حين أعرض عن الأعمى ابن أم مكتوم، وأقبل على أحد سادة قريش رغبة في إسلامه هي إحدى الدلائل العظيمة على هذا الصدق، الذي يعجز المسلمون اليوم عن احتذائه، ولو كان محمد بن عبدالله سيكتم شيئاً من القرآن لكتم هذه الآيات العشر الأول من هذه السورة. ويبدو المسلمون اليوم أبعد ما يكونون عن هذه الروح لا في إقرارهم بأدوائهم، ولا في اعترافهم بأزماتهم، ولا في مواجهة الحقيقة المرة التي تصدمهم بهم أنى يمموا.
إن ما تحكيه كتب التاريخ والسير عن تفاصيل الخلافات في سقيفة بني ساعدة، والصراعات التي أعقبت مقتل عثمان بن عفان، وجرت بين أم المؤمنين عائشة وبين علي والزبير وطلحة وغيرهم، ذلك التنافس الذي أفضى أخيراً إلى حروب دامية ذهب فيها عشرات آلاف القتلى في الجمل وصفين، لتؤكد حقيقة واحدة، أن البشر يظلون بشراً. ومع دولتي بني أمية وبني العباس تجلت صورة الحضارة بكل أشكالها وكل مجالاتها، وكل أعراضها وأمراضها. فأي ذنب اقترفناه حينما قدمنا تاريخنا مقدساً من الأخطاء، منزهاً عن الأغراض، وتسببنا لأنفسنا قرناً بعد قرن بأن نبيع أوهاماً لا حقيقة لها عن دولة الخلافة، وحلم الخلافة، وعزة دولة الخلافة! ومثل هذا حصل في التاريخ الذي قدم لنا في مقررات التعليم عن الخلافة/ السلطنة العثمانية.
ونكاد نكون الأمة الوحيدة -وخصوصاً في الخليج- التي يأبى أبناؤها اكتشاف أن واقعهم اليوم هو اليوم خير لهم من كل عصور الخلافة التي يقرأون عنها. يروى أن الرسول قال يوماً «مثل أمتي كمثل الغيث، لا يدرى أوله خير أم آخره»، ونحن اليوم حضارة وازدهاراً وعلوماً وبسطة عيش خير من كل العصور التي سلفت، ولكن مع كل ذلك نحن نسح الدموع وندمي المآقي لاستعادة ماضٍ، وتكرار تاريخ، بعث الآن مرة أخرى، ولكنه تمثل قتلاً ودماراً وآلاماً بأيدي أبنائنا الذين أصبحوا أدوات بؤسنا وأحزاننا.
نحتاج أن نكون شجعاناً لكشف حقيقة تاريخ المسلمين، كما كان، وإظهاره كما وقع، أن نواجه أكاذيبنا، إن خداع عقود في التعليم عن يوتوبيا الخلافة، قد عبث بالعقول والأرواح واليوم نجد ثماره.