منصور النقيدان
الإثنين 22 يونيو 2015
اليوم تبدأ المرحلة الأولى لوفود السلام التي تنطلق برعاية وإشراف مجلس حكماء المسلمين، منتشرة في خمس قارات، لتقوم بدورها في المجتمعات المسلمة، بهدف تعزيز ثقافة السلم، عبر أنشطة متنوعة من التدريس والدورات العلمية، والمحاضرات.
إلا أن ما لفت انتباهي التأكيد على أن هذه الوفود سوف تقوم بدور الدعوة وليس بدور الفتيا.
ويمكن فهم هذا التنبيه على أنه تأكيد على أن الفتوى مرجعها مجلس مختص بذلك، كالأزهر ممثلاً بشيخه أو بلجنته، أو عبر أي مؤسسة فتوى معتمدة ومعترف بها.
بعد الفتوحات الإسلامية وتوسع رقعة العالم الإسلامي، ودخول أمم عديدة ولغات متنوعة وحضارات أخرى في الإسلام، كان الطلب على من يمكنهم القيام بهذه الوظائف يزداد، ولهذا عمد الخلفاء إلى تفريغ من يقوم بها، مع أعطيات و(جُعْل) لهم من بيت مال المسلمين، ولهذا كان الصحابة الفقهاء الذين انتشروا في الحواضر الكبرى لدولة الخلافة يؤسسون عبر تلاميذهم مدارس فقهية كانت نواة لما عرف بعد ذلك بالمذاهب الفقهية التي اندثر كثير منها، ليصمد منها أربعة مذاهب سنية كبرى ما زالت حتى اليوم هي المرجع للغالبية الساحقة من المسلمين، مع جيوب مهمشة كانت تعتمد الأثر والحديث وتمايز بين نفسها وبين المذاهب الفقهية.
ومع أن الفصل بين وظيفة الفقيه/ المفتي، والقاضي، والداعية/ القاص، كان إلى حد كبير قائماً في القرون السابقة، إلا أنها تعرضت لإعادة تشكيل مرة أخرى في القرنين الأخيرين، ليبرز مرة أخرى تحدٍّ جديد قائم على السعي لتدمير المذاهب الفقهية عبر إحيائية أثرية توسلت (سلفية) جديدة، سعت إلى أن تزدهر على أنقاض السلف الصالح الذين كان أبرزهم مؤسسو المذاهب الفقهية.
أعود إلى وفود مجلس حكماء المسلمين.
يبدو الفصل بين دور الداعية ودور المفتي واضحاً ويسيراً نظرياً، وفي فترة مبكرة من الإسلام كان من يبعثهم الرسول دعاة ومبشرين يقومون في الآن نفسه بدور المفتي بحسب ما تحصل لهم وبحسب الملَكة الفقهية التي اكتسبوها، وكانت الخبرة السابقة للصحابي وأدواره الاجتماعية قبل بعثه داعية، عاملاً كبيراً في قدرته على النجاح في مهمته.
ولكن التفريق عملياً بين دور المفتي والداعية عسير إلى الحد الذي يعرف كل من مارس أو قام بوظيفة الداعية أنه على الدوام يواجه تحدي الفتيا من الجمهور، وذلك يعود إلى أن العامة من المسلمين، يرون في الشيخ الذي يلقي عليهم دروس الدين ويحاضر عليهم ويفتي لهم، عالم دين وفقيهاً يمكنه أن يجيب عن الأسئلة التي تشغلهم وتقلقهم وربما يتوقف عليها قرار مصيري في حياة السائل -هذا وصف لواقع المجتمعات المسلمة، وليس تقييماً- وخصوصاً أن هذه الوفود تنطلق إلى مجتمعات مسلمة تعيش في دول لا يتوفر فيها جامع في كل حي، ولا فقيه في كل مصلّى، وأحياناً لا مجلس لهم يمثلهم ولا مجلس إفتاء يتصدر لأسئلتهم، فضلاً عن أنه يمكن للعامة أن يجدوا الإجابات على الإنترنت، فمن المهم أن يكون هناك فرز بين الأسئلة التي تنهال على الدعاة من الجمهور وتتعلق بالحياة اليومية، وأخرى تحتاج إلى دراسة ويمكن إحالتها إلى لجنة إفتاء، فمعظم بلاء الإسلام وأهله اليوم هو نابع من الفتيا التي تحلل وتحرم، وهي إحدى أكبر وسائل النفوذ والسلطة، ومن المهم ألا تترك هذه السلطة لمن يسعون إلى تدمير العلاقة بين الأقليات لمسلمة وبين دولها، أي أن يجد السائل إجابة حاضرة من قبل أعضاء هذه الوفود.
يدعم ما أذهب إليه أن غالبية الذين يشاركون في هذه الوفود التي ستقوم بالجولات في أصقاع المعمورة، هم ذوو حصيلة شرعية أساساً، وفيهم فقهاء، وهم مؤهلون للقيام بالفتيا في مستويات متنوعة، وهم يدركون أن أكثر الأسئلة حساسية هي إلى حد كبير منسجمة مع وظيفتهم التي اضطلعوا بها.
وهي تلك التي تدور حول دور الدين في الحياة، في السياسة، وعلاقة المسلم مع المجتمع من حوله، والنظام والقوانين التي تسود.
وما شابهها.