منصور النقيدان
الإثنين 27 أبريل 2015
يبدو أنه من حسن الحظ أن الفتاوى التي أصدرها مجموعة من الفقهاء عشية «عاصفة الحزم» باعتبار الحملة جهاداً في سبيل الله، لم تحظ بالشعبية التي كان البعض يسعى إلى ترسيخها وتجنيد الشباب لها.
من المهم أن يعي الكتاب الخليجيون ورجال الدين والمثقفون والمحللون الذين ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي أو على القنوات العربية، أن المكانة والنفوذ الكبير للمملكة العربية السعودية روحياً وسياسياً في قلوب العرب والمسلمين، ودورها في الاستقرار في المنطقة هو الذي أشعر جيران المملكة وحلفاءها بدورهم ودفعهم لدعم موقفها، ولاستشعارهم في الوقت نفسه الخطر الذي يمكن أن يتحقق فيما لو أصبحت اليمن مصدر تهديد حقيقي للسعودية ولدول الجزيرة العربية.
هذا الشعور بالمسؤولية ووحدة المصير هو الذي دفع دول المجلس وحلفاء المملكة الأقربين إليها إلى الوقوف معها، وتأييد إنشاء قوة عربية مشتركة، وكما يبدو فقد انعكست هذه الصحوة في التحالف السعودي الإماراتي العربي على شعوب الجزيرة العربية فخراً وثقة، وعمق شعور بالارتباط بين أبناء الخليج.
وسواء كانت النتائج في اليمن حتى اللحظة هذه قد جاءت كما هو مأمول، أو حققت معظم أهدافها، أو أنها -شأن التاريخ دائماً- قد ولدت من رحمها نتائج متعددة متفاوتة وربما متناقضة، قد يكون أحدها أنها أظهرت قدرة الخليج على حماية نفسه، ولكنها أيضاً ربما عقدت الأزمة اليمنية وعمقت المشكلة، ومنحت الإرهاب والتنظيمات السياسية التي تستغل الدين انتعاشاً وفرصة لإعادة دورها والاعتراف بها شريكاً.
في كل الأحوال، علينا أن نكون وجلين من أن ننظر بعد سنوات قليلة إلى حصيلة كل ما جرى، فلا نجد إلا الحطام والأحقاد الدينية والثارات التي تفتك في اليمن وقبائله، وإن كان العامل الرئيس لهذا المآل سيكون من «اليمانيين» أنفسهم.
وعلى الرغم من أن كل بيانات المسؤولين وتصريحات المتحدثين حول (عاصفة الحزم، وإعادة الأمل) وتأكيدهم بأنها لا تحمل أي بعد طائفي، وهذا بالتأكيد ما يتمنونه، وهو بالتأكيد ما سعوا إليه، إلا أن اليمن من حين سيطر «الحوثيون »على صنعاء، قد انزلق إلى نفق مظلم نحو حرب أهلية يجللها شبح المجاعة والفقر والتقسيم.
إن تصريحات مسؤول خليجي سابق إبان «عاصفة الحزم»، بأنه بدأ بتدشين مشاريع لتتويب الشيعة وإعادتهم إلى الدين الحق وتأسيسه لمشروع يدعم السُّنة، هو مثال واحد لما علينا أن نخشاه ونقلق منه.
علينا ألا نجامل، ولا نداهن في رفضنا لهذه التصريحات من أيٍّ كان، وخصوصاً إذا صدرت من شخصيات لها تاريخها المشرق، أصبحت رمزاً يفاخر به في النجاح الأمني، ولكن لأننا بشر ودون أن نشعر ننداح في لحظة ما نحو خيارات غير موفقة.
ربما علينا أن نتمعن الحكمة التي يمكن للتاريخ أن يمنحنا إياها، وهي أن قصة الحضارة الإنسانية تتلخص في قوى صاعدة، وقوى عظمى آفلة، وقوى أخرى عليها أن تفسح المجال وتحافظ على التوازن للحفاظ على مكانتها، وقد تنحني متراجعة عن المقدمة، قانعة بأن تكون شريكاً لايمكن تجاوزه، وتتجرع الغصة بكبح فخرها القومي حتى تكون ضمن قوى الغد، بتوفير كل طاقاتها ومقوماتها الأساسية التي ستمنحها يوماً دوراً أكبر ونهضة أخرى، حين يكون التاريخ قد ابتسم لها مرة أخرى، بعض القوى تقنع بأن تتراجع خطوتين، ولا تقف في وجه الطوفان فالقناعة بنصف المكاسب خير من خسرانها دفعة واحدة.
من جهة أخرى، فإنه من البديهي أنه لا يمكن للأحقاد الدينية وتغذية التطرف أن تكون عامل نهوض وألق حضاري.
حقيقة أخرى، وهي أن التنوير والحداثة هو خلاصنا من كل هذه الأحزان التي تحيط بنا، من حمأة الدمار والحروب الدينية، هذا هو الهدف والغاية التي علينا ساسة ومجتمعات أن ندركها، فالحروب التي تحيي فينا أسوأ وأبشع النوازع، وتجرنا إلى الوراء، وتفسح المجال لدعاة التطرف والتكفير وموقدي الطائفية هي ماعلينا أن نخشاه، فعدو في الجوار خير من سرطان داخل الدار.