منصور النقيدان
الإثنين 20 أبريل 2015
كانت السعودية والإمارات ومصر ثلاث دول أعلنت «الإخوان» تنظيماً إرهابياً، بينما سعت المملكة إلى اتخاذ خطوات عملية وهادئة وشاقة لتجفيف منابعهم في المؤسسات التربوية والتعليمية والمؤسسات الدينية، كانت خطة ذات مراحل ستأخذ سنوات من العمل والمراجعة. وكانت القيادة السعودية تعي تماماً أي دمار حاق بمصر وأي فوضى اجترحها «الإخوان» الذين كانوا قد شرعوا في تدمير كل معالم الحضارة المصرية، وخلق عصر مظلم لمصر «إخوانية» لا تشبه مصر التي عرفناها. نصف ساعة مضت حتى أصدر الراحل العظيم الملك عبدالله تأييده لثورة يونيو 2013، بعد الإطاحة بحكم المرشد.
كثير من «إخوان» الخليج خنسوا ولزموا الصمت بعد أن أعلنت السعودية «الإخوان» تنظيماً إرهابياً، بعض منهم في الكويت والسعودية ألمح إلى أن هذا الحظر لا معنى له، لأنهم حاضرون وموجودون ومؤثرون ومستمرون، وراهنوا على أن ذلك سيكون سحابة صيف عابرة، وأنها لا تعدو أن تكون حبراً على ورق. وبعد أقل من عام من ذلك الإعلان المجيد، في الأيام التي سبقت عاصفة الحزم بدأ بعض الإعلاميين السعوديين يلمحون إلى أن ثمة خطأ حصل، وذنباً يجب أن يكفر. منذ نهاية يناير الماضي قادت مواقع إخبارية سعودية وخليجية رسمية وأخرى مستقلة، حملة تبشير بعهد جديد يعاد فيه الاعتبار إلى «الإخوان المسلمين»! تمثلت تلك الحملة في استضافة قيادات «إخوانية» وباحثين متعاطفين معهم، متألمين لما حاق بهم من تهميش، متوجعين لما نالهم من تجريح، ناعين فيه حكماً باد وعصراً تصرّم!
حينما تسرد قصة الحوثيين في اليمن، تتجنب معظم وسائل الإعلام، وكثير من الخبراء والمحللين الدور المدمر الذي قام به «الإخوان المسلمون» والسلفيون مع علي صالح في الوضع الحالي لليمن، وفي تجريف اليمن من المذهب الزيدي واقتلاعه من مهده الذي يمتد إلى أكثر من ألف عام مضت! ما نقرؤه ونشاهده اليوم من تواطؤ علي صالح مع الحوثيين وقع ما هو أعظم منه من تحالف وتواطؤ وتدمير لليمن بين علي صالح و«التجمع اليمني للإصلاح».
بعد الثورة الإيرانية كان «الإخوان المسلمون» سباقين لتأييد مشاريع التقريب ين السنة والشيعة. مؤخراً غيروا بوصلتهم. إن إلماحة عابرة على شبكات التواصل الاجتماعي تكشف أن «الإخوان» الآن هم أكبر الضالعين في استعداء المذهب الشيعي والتحريض على الشيعة.
منذ فبراير 2015 عادت الأمور إلى أسوأ مما هي عليه قبل 2011، العام الذي شهد أكبر اضطرابات عاشتها المنطقة العربية منذ ستة عقود، وكان معولها الهدام هم «الإخوان المسلمون» وبعض الجماعات التي انشقت عنهم ورجعت لتدور في فلكهم.
من غير المقبول أن يعرِّض تلميحاً أو تصريحاً بعضُ الكتاب والصحفيين بأنه من الأفضل عدم التعرض لـ«الإخوان المسلمين» حالياً، وعدم انتقادهم واعتبارهم حلفاء لا يجوز المساس بهم، لأنهم من وجهة نظرهم هم خير حليف ضد مخططات إيران في المنطقة وتمددها!
على الباحثين والخبراء والمثقفين أن يستمروا في توعية المجتمعات بهذا البلاء الذي لم تتعافَ منه الغالبية الساحقة من المجتمعات العربية، فحين تخف الأضواء، وينجلي الغبار سنكتشف أي مكاسب أضعناها، وأي شيطان قبلنا التغاضي عنه، ولنتذكر أن الخبرة مع «الإخوان» تؤكد أنهم لا يردون يد لامس، بل يحثون الخطى نحو من يحقق لهم أجندتهم سواء كان الولي الفقيه، أو قوة عظمى، أو عباءة سلفية. وفي اليمن يمكن للسعودية والإمارات أن ترعيا الزيدية التقليدية وأن يعاد لها الاعتبار وتدعم مؤسساتها، ومن جهة أخرى فما تحتاجه المجتمعات السنية ليس «الإخوان المسلمين»، بل تجديد سلفيتها التقليدية وأنسنتها لتكون أكثر عصرية وأكثر تقبلاً للحداثة والتعايش مع الآخر، بدلاً من أن تكون خزاناً للجماعات الغالية المجرمة، ممزوجة بنكهة من التصوف الذي يخفف يبوسة التدين، وجفاف الروح، وغلظة التفاصيل الشرعية، لأن الحروب الحالية والتحولات الإقليمية تنذر بحقبة حروب دينية لن تستثني أحداً.