توجهات معينة تتصادم مع الوهابية، حتى المنقرض منها كالشيوعية!، وقوائم جرى تداولها بأسماء مرشحين زُكِّيتْ من مشايخ وقضاة، توج ذلك بحديث لمسؤول سعودي رفيع ينفي (وجود) توجهات وميول أخرى لمواطنين سعوديين يفترض أنهم يعيشون في رقعة واسعة متجانسة دينياً متلاحمة مع قيادتها في بلد لا يصلحه إلا الأمن والسكون. فكلنا إسلاميون.
نشر الصحفي السعودي فارس بن حزام مقالاً تناول انقسام المرشحين في جولة الرياض ما بين إسلاميين وليبراليين ، وأن النتيجة جاءت صادمة لسلفيي الرياض فضلاً عن ليبرالييها، حيث كان الإخوان المسلمون- حسب المقال- هم صاحب الحظ الأوفر لخبرتهم التنظيمية. المقال أثار سخط البعض فجاء مقاله الثاني مكافئاً للأول في حديثه عن التطاحن والصراعات الباطنية في الانتخابات البلدية في المنطقة الشرقية بين فصيلين إسلاميين، لا يمكن التمييز بينهما إلا بالمجهر، فيما يؤكد أحدهم مازحاً أن لبس العقال من عدمه هو العلامة الفارقة التي لا تخطئها العين بين الضفتين.
حسناً. هل في السعودية ليبراليون حقيقيون؟ وهل هؤلاء الليبراليون من الوضوح بحيث ترشح مقالاتهم أو كتبهم أو أحاديثهم عبر وسائل الإعلام، أو برامجهم بمواقفهم الحقيقية تجاه قضايا بعينها؟
لفترة طويلة أعياني استيعاب كيف يكون ليبرالياً من لديه تصور لنظام حكم وفق ما مارسه خلفاء بني أمية وبني العباس، ومن يبتدئ حديثه بالاستدلال بالسنة النبوية ويختمه بالخضوع التام لفتاوى علماء الدين، وكان أحد أهم المطالب التي قدمت للقيادة السعودية قبل سنتين موقعاً بأسماء عشرات يحوي مطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية!
هذا شيء عصي على الفهم. صحيح أن هناك نزوعاً إلى الحديث عن إسلام ليبرالي لدى شخصيات دينية وفكرية في العالم العربي ولكن حتى هؤلاء يتم وصمهم بأنهم (كاذبون منافقون) من قبل بعض ليبراليي السعودية. هذه المقدمة ليست شماتة ولا سخرية، بل هي تؤكد على مسألة مهمة: أن معظم ليبراليينا تائهون في الترجمة!
فمعظم المثقفين والناشطين، هم حسب أطروحاتهم المعلنة ومطالبهم وبرامجهم الانتخابية منضوون تحت الإسلام التحديثي المحافظ، خلافاً لما يتصورونه عن أنفسهم أو يتخيلونه عن ذواتهم أو ما يحبون أن يتظاهروا به أمام الصحافة ووسائل الإعلام الأجنبية، ولكنهم يحتاجون إلى التذكير بأن الأمر لا يتجاوز كونهم وقعوا ضحيةَ ترديدهم بعض المفاهيم والمصطلحات التي جُرمَت دينياً وكُفِّر معتنقوها، وأن مشاعر الكره التي يكنونها لبعض خطباء الجمعة مثلاً، وثرثرتهم عن اضطهاد المرأة، أو حقها في قيادة السيارة، حيث جرى وصمهم من قبل رجال دين يمتازون بالجهل الفاضح بالعلمانيين، لا يعني أنهم في الحقيقة كذلك.
على أولئك أن يشعروا بالرضا عن أنفسهم حينما يحسبون على خط إسلامي من أمثال الزعيم الماليزي مهاتير محمد، أو عبدالله بدوي، ورجب طيب أردوغان، وأنور إبراهيم، وشيرين عبادي، وهي محسوبة على تيار خاتمي الإصلاحي المخيب للآمال، وهم محسوبون على الإسلام المستنير. وإن حاول باحثون وصحفيون غربيون تصويرهم بخلاف ذلك، ولكن أصحابنا لا يتمتعون بوضوح الفكرة وشجاعتها كما هذه الأسماء.
الشريحة موضوع الحديث تتسم مواقفها بخصوص حقوق المرأة، وتصورها لنظام الحكم بأنها غامضة وحذرة، وهذان هما عماد المسألة: الحريات وحقوق الإنسان، ومؤسسات المجتمع المدني وفصل السلطات والمشاركة الشعبية في القرار، في الوقت الذي يفوقهم فيه صراحة ووضوحاً كتاب إسلاميون يعيشون في مجتمعات عرفت “موزاييك” من الأديان والانتماءات الفكرية والثقافية، والتنوعات العرقية. ربما المشكلة في الثقافة.
كانت الأسماء التي قامت بالتوقيع على العرائض والمطالب الإصلاحية التي رفعت إلى صانع القرار في السعودية عام 2003 تحوي ألوان طيفها: ليبراليو الشيعة – رغم لصوقهم مرغمين بهموم طائفتهم كأقلية مما يحول بينهم وبين حركة نقدية فكرية فاقعة لدى
07 مارس 2005