منصور النقيدان
حصل الكثير خلال عام 2014، ولكن الحدث الأبرز كان نشوء ما يسمى «داعش» كلاعب مستقبلي في سوريا وكوحش عالمي أثر على التوجه الغربي والعربي في السجال السوري.
في الوقت الذي يرى فيه بعض من المحللين أن بروز «داعش» هو نتيجة طبيعية للاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003 وفشل الأخيرة في تنصيب حكومة ديمقراطية ما بعد صدام حسين، ودعمها لتجريف السُّنة من مناطقهم وتغاضيها عن التهجير والقتل الذي استهدفهم بصمت أميركي، كل هذه العوامل والأحداث مجتمعة صدمت العالم. وتعقدتْ مشاركة التحالف الدولي ضد «داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة في التدخل في البلدين (سوريا والعراق)، وكذلك في تفادي انتشار تأثير الحرب الأهلية السورية.
وهذا من غير ذكر المجازر والجرائم البشعة التي ارتكبتها كافة الجماعات الإرهابية المحلية والأجنبية الشيعية والسنية، التي ساهمت في تدمير المنطقة أكثر وتحطيم إرثها الثقافي، حيث أصبح الشرق الأوسط ملاذاً مجانياً للجميع. غير أن أكثر المسائل إزعاجاً هو كيف يمكن للعالم أن يدرك خطورة الإرهاب الذي تمارسه جماعات ومليشيات تابعة لإيران ضد السُّنة، من دون أن تكون هناك رغبة في تسليط الضوء عليها. هنا يمكننا تلمس معالم المرحلة الجديدة والسنوات القادمة، هي حرب طائفية تسهم القوى العظمى في تأجيجها عبر إلقاء اللوم على طرف واحد وشيطنته وتحميله كل الشرور. وجعل المنطقة التي تحترب مع ذاتها متنفساً لكل إرهابيي العالم الغربي الراغبين في الانخراط في الحروب الأهلية والطائفية القائمة. ويرى بعض الخبراء الغربيين أن ما يجري في المنطقة هو ضمانة أمان لأوروبا والعالم الغربي.
إضافة إلى ما ذكر، فإن اتفاقية الإدارة الأميركية مع إيران بخصوص برنامجها النووي (التي أصبحت واقعاً) هي بالتأكيد تاريخية، لكن ربما ليس كما كان ينوي أوباما، فلأول مرة منذ أن برزت الولايات المتحدة كقوة عظمى مؤثرة في الشرق الأوسط فإن جميع حلفائها في المنطقة يعترضون علناً على سياساتها.
هذا التطور غير المسبوق في مقاييس الشرق الأوسط تسبب في قيام الأطراف الإقليمية والدولية بإعادة ترتيب أوراقها وتحالفاتها مرة أخرى من أجل مواجهة الواقع الجديد الذي يلوح في الأفق. كما يرى أحد الخبراء الأميركيين أن الحكومة الإيرانية تدرك جيداً أن إتمام الاتفاقية النووية هو أولوية بالنسبة للرئيس أوباما في السياسة الخارجية، وقد وضع كلّ تركته رهاناً عليه. في جلسة مغلقة لجمع التبرعات، وصف أحد موظفي أوباما بأن الاتفاقية النووية توازي «في أهميتها لدى الرئيس خطة الرعاية الصحية الوطنية». وتدرك الحكومة الإيرانية أيضاً أن أميركا لها رؤية أمنية استراتيجية مغايرة تماماً للشرق الأوسط ومنطقة الخليج حيث ترى إيران قوة موازية للقوى العربية السنية وإسرائيل فيما يطلق عليه أوباما «توازن استراتيجي» الذي سيسمح للولايات المتحدة بتقليص وجودها في المنطقة. إن إيران تفهم من هذا التوجه أن الرئيس الأميركي «مستقتل» على إتمام الاتفاقية وأن بوسعها المساومة كيفما تشاء في المفاوضات. كما أنها تستطيع مواصلة طموحاتها التوسعية العدوانية، على المدى القريب، والتي تحققت من خلال الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي في أربع عواصم عربية، وجاء تصريح مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات ليكشف النوايا، والنشوة العارمة التي تجتاح القيادة الإيرانية إثر الخراب والدمار الذي زرعته إيران في المنطقة، وتحويلها مليشياتها وأتباعها في المنطقة إلى وسيلة لتنفيذ مخططاتها.