منصور النقيدان
نعيش جميعاً أزمة عميقة مع الإرهاب الذي يجذب إلى جبهاته آلافاً من أبنائنا جميعاً عرباً وأوروبيين. ونعيش صراعاً يومياً أصبح الإنترنت أكبر جبهاته ضد الأفكار المتطرفة التي لا تخضع للرقابة ولا الإدانة والمحاسبة. هذا الفكر الذي أطلق له العنان في الفضاء «السايبري» أسهم كثيراً في تجنيد المنظمات الإرهابية لكثير من الشباب من كافة الدول -بما فيها دول ديمقراطية.
مئات وآلاف الدراسات التي صدرت في السنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ترصد سلوك وأفكار الجماعات والمنظمات الإسلامية، إن التجربة التي يمكن اكتسابها من كل الدراسات والبحوث والتقارير المعمقة ذات الطابع الفكري هي أن منطقتنا العربية تعاني من هشاشة الأرضية التي يمكن أن تسمح للفكر المستنير أن ينمو ويترعرع ويكون قادراً على كسب العقول والقلوب ضد التطرف. ويتمثل جزء من المشكلة في غياب التسامح والحوار واحترام الآخر، الأمر الذي يجعلنا جميعاً وخاصة أبناء الديانات والطوائف والأقليات ضحية عند كل اضطراب، وقد رأينا هذا ماثلًا أمام أعيننا بشكل أكثر قسوة مع الإيزيديين في العراق، ورأينا مثالاً له في بلجيكا وفي فرنسا حينما استهدف اليهود في السابع من يناير، وفي الدانمارك في الأيام الماضية، وحينما قتلت «داعش» في ليبيا 21 مسيحياً مصرياً. يضاف إلى هذه المآسي ضحايا الإرهاب من المسلمين بطوائفهم المختلفة.
إن الأسباب التي تسهم في خلق حواضن للإرهاب كثيرة، وأخذها في عين الاعتبار يساعدنا على جعل مهمتنا منظمات وحكومات وخبراء في المعالجة والمشاركة في مساعدة مجتمعاتنا وشبابنا أكثر نجاحاً. ومع أهمية العوامل السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية في توليد الإرهاب إلا أنها يجب ألا تجعلنا نغفل حقيقة راسخة تشخص أمامنا أين توجهنا، وهو أن الفكر الديني المؤدلج هو القاسم المشترك الذي يوحد هذه المنظمات الإرهابية، وهو أمر تستند عليه جميعاً.
هنا نحن لا نتكلم عن ديانة ولا عن أبناء طوائف يمكن استهدافهم، هنا نحن نضع اليد على الخزان الإيديولوجي والشرعي والديني والعقيدة التي تغذي هذه الجماعات، عن عش الأفاعي. وهذه هي المعركة الكبرى التي يجب على المستنيرين المسلمين من مفكرين ومثقفين وفقهاء أن يخوضوها، مع أنفسهم أولاً، لكي يجدوا الدعم من شركائهم من أبناء الديانات والثقافات. إن بصيصاً من الأمل يكمن في مناقشة هذه الأفكار في الهواء الطلق، عبر الحوار، والإفصاح عن مصادر القلق، ومنابع الخوف، وهواجس التهميش، وكيف يمكن لنا أن نساعد شبابنا وفتياتنا في صناعة مستقبل أقل عنفاً وأكثر سلاماً.