أبوظبي
قال مدير مركز المسبار للدراسات والبحوث منصور النقيدان :إن الإرهاب أصبح في العالم مشكلة سنية، وأن الدفع بالأنظار عن هذه المشكلة نحو جرائم حزب الله، أو أعمال العنف التي يتورط فيها الحوثيون في اليمن، هو هروب من مواجهة الذات، وقال إنه في كثير من المجتمعات السنية التي تهيمن عليها الثقافة السلفية استحالت أرضاً خصبة للتعاطف والتجنيد لدولة داعش، مع قناعة بأن الإرهاب الذي تقوم به القاعدة ودولة البغدادي ليس إلا تعبيراً عن غضب سني إزاء الأثرة والهيمنة الشيعية.
وفي كلمته التي ألقاها في المنتدى التاسع لجريدة الاتحاد الظبيانية في 22 أكتوبر الحالي، استعرض النقيدان التحولات في الحركة الإسلامية السعودية منبهاً إلى أن التمايز بين أطياف وأمشاج الصحوة والحركية الإسلامية في السعودية الذي كان من اليسير على الخبراء رصده قبل الحادي عشر من سبتمبر، أصبح اليوم مهمة عسيرة بعد أن غدت الحالة الصحوية في غالبها منجرفة نحو الجهادية ومتعاطفة مع داعش، مشيراً إلى أن الحركيين الشيعة الذين عادوا إلى السعودية بعد 1993 ليسوا استثناء، فقد تحول بعض منهم إلى التعطف ودعم العنف المسلح الذي تشهده القطيف منذ سنوات.
وقال النقيدان:” إن التحولات والتنقلات في الأفكار والتوجهات السياسية، والعقائدية، لم تستثن أحداً، فقد أعملت أثرها في المفكرين والفلاسفة، وفي علماء الاجتماع ولدى الإسلاميين والمثقفين، وجاءت أحداث الربيع العربي لتجعل منه شتاء للشعوب وربيعاً للقاعدة، وكل ذلك جاء متساوقاً مع حماسة كثير من المثقفين العرب لعصر حريات سياسية وديمقراطية قد أشرقت شمسه على منطقتنا العربية، في الوقت الذي كانت كل الدلائل تشير إلى ليل مدلهم من الظلمات يغشى سماء مجتمعاتنا”.
وقال: “إننا نعيش حقبة تشابه إلى حد كبير ماعرفه العالم عشية الحرب العالمية الأولى، وأعقاب العالمية الثانية، حيث نشهد صعود قوى عالمية، ونحن العرب نحتل موقع الذيل من القوى الفاع. في تغيير العالم وتشكيله، القوى العظمى اليوم هي التي تحرك التاريخ”، مؤكداً أنه لاحيلة للسيطرة على الميديا ولا على الشبكة العنكبوتية التي يخضع الشباب والناشئة لتأثيرها الهائل. واستشهد في كلمته بقصة اجتماع بعض علماء السعودية مع الملك فهد بن عبدالعزيز في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وأنهم طالبوه بأن يسهم في إيقاف العولمة، وأن أحد كبار العلماء بشر طلابه بأن جلالة الملك قد تعهد للعلماء بإيقافها!
وذكر النقيدان أن بعضاً من مستشاري الساسة الغربيين طرحوا أفكاراً منذ عقدين تلخص مشكلة العنف الديني في بنية المذهب السني، الذي لا يخضع لمرجعيات دينية مهيمنة على العامة والمؤمنين، خلافاً لما عليه الحال في الاثني عشرية الشيعية. وقال النقيدان: إن هذه الرؤى أصبحت شبه قناعات بدأت تأخذ حيزاً من القبول لدى صناع القرار الغربي.
وحول التضليل الذي تقوم به منظمات وجمعيات حقوق الإنسان الدولية استشهد بقصة معظم بيك الذي ألقي القبض عليه في بريطانيا نهاية 2013 ، بتهمة تمويل ودعم جماعات إرهابية، بعد أن كان معظم بيك من المؤثرين في صياغة بيانات منظمة العفو الدولية التي كانت تستهدف بالنقد دولاً عربية وقفت بصرامة ضد الإخوان المسلمين. كما ذكر النقيدان في ورقته التضليل الذي يتسبب به بعض من يوصفون بالمحللين والمفكرين عبر المنابر الإعلامية وخلطهم متعمدين أو جاهلين بين من يحملون أفكار الخوارج، وبين المطالبين بالإصلاحات السياسية، و قال النقيدان: ” في عام 2003، أشار الكويتي عبدالله النفيسي في لقاء مع قناة الجزيرة إلى أن السجون السعودية تحوي اثنين من الناشطين المطالبين بالإصلاحات السياسية. في الحقيقة أن من أشار إليهما النفيسي كان أحدهما قد قضى فترة معي في الزنازين في العام 1993، وكان يدعونا كل يوم لاتباع عقيدته بتكفير الدولة السعودية، وبعد أن أيس من استجابتنا قام بإعلان كفرنا وبراءته منا، وكان الناشط الثاني الذي أشار إليه النفيسي قد أتيحت لنا جميعاً فرصة التعرف على أفكاره على شاشة الإم بي سي في الثامنة مع داود في نهاية نوفمبر 2013، هذه العقائد التي بشر بها، التي أثارت الرعب في قلوبنا جميعاً هي التي كانت وراء توقيفه لسبعة عشر عاماً”.
وقال النقيدان إن المثقفين والكتاب ومن يسمون بالخبراء قد عجزوا عن تقديم أفكار حقيقية عملية للحفاظ على تماسك الدول والمجتمعات، وأنهم يقضون اوقاتهم في الثرثرة حول الديمقراطية والحريات السياسية، في الوقت نفسه الذي تسقط فيه أنظمة وتنهار مجتمعات وتحترب طوائفها، وتزداد انقساماً، ويستبيح بعضهم دماء بعض”.
وقال النقيدان في ختام كلمته : لحسن الحظ أن ثمة دلائل واضحة تؤكد أن ماشهدته منطقتنا العربية سوف يتسبب بتضاعف قبضة الدولة ومؤسساتها الأمنية، مؤكداً أن ذلك سوف يصب في تماسك الدول القادرة على رفاه شعبها وترسيخ العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، مقابل التنازل عن الحريات السياسية وأوهام الديمقراطية.
لللاستماع إلى الكلمة صوتياً: