منصور النقيدان
من غير المؤكد أن يستوعب الفرنسيون في الفترة القريبة أن الإرهاب الذي ضرب باريس في عقر دارها، واستهدف حرية التعبير التي يفهمها الفرنسيون، قد يخفي وراءه أزمة داخلية أعمق، من المهم إدراك أن جزءاً مماحصل نابع من امتطاء لمشاعر التهميش والتحقير الذي يتجرعه الفرنسيون المسلمون والملونون والأفارقة كل يوم، ولكن مهما يكن فإن استهداف اليهود وجعلهم الخاصرة الضعيفة والمتنفس عن الحنق ومشاعر التهميش التي يشعر بها بعض من مسلمي فرنسا، لايمكن تبريره بأي حال من الأحوال. لقد ضرب الإرهاب فرنسا، وهذا ماعلينا أن نرفضه ونعلن موقفنا منه.
من جهة أخرى فإن على الفرنسيين أن يواجهوا أنفسهم، أن ينتصروا على أوهامهم، وأن يمزقوا الغشاوة عن أعينهم، فليتحملوا الغصص والمرارة وليضعوا الإصبع على الجرح، لأن محمداً والإسلام لاعلاقة له بما يجري في فرنسا، وأوروبا.
إن ردود الفعل الصبيانية الطفولية التي تهدف إلى تحقير المسلمين هي تعبير عن العجز، عن الكسل، عن آفات مدمرة تنخر في الذات وتجد مسكناتها عبر اختلاق مثل هذه الأساليب التي تثير الشفقة.على فرنسا أن تواجه حقيقة ماذكره رئيس الوزراء الفرنسي من أن ثمة تهميشاً وعنصرية منها فرنسا، وأن كلمات المجاملة، والشعارات الجوفاء لن تهديء المخاوف ولن تكبح المتعصبين ولا المتطرفين من الأوروبيين عن الاستمرار في غوايتهم.
ومن الواضح أن عقوداً أو قروناً ستمر قبل أن تشهد فرنسا وأوروبا مايتمنونه من إسلام متصالح مع القيم الغربية. ولكن ماهو متيقن أن المسلمين في فرنسا وأوروبا سوف تتضاعف أعدادهم خلال العقود القادمة، ولكن ماهو مشكوك فيه أن يندمج المسلمون أنفسهم ممن يعيشون في العالم الغربي مع بني ديانتهم، بطوائفهم من سنة وشيعة وإسماعيلية وغيرهم عبر زيجات مختلطة، تنصهر فيها الحواجز المذهبية والإحن الطائفية. ومن المحتمل وشبه المؤكد أنه من السهل على المسلمين الذين يعيشون في العالم الغربي أن يساكنوا علمانيين مسيحيين ويواطنوا لادينيين على أن يتشاركوا الأرض والمصالح والهموم مع إخوتهم المسلمين الذين هاجروا مثلهم، وعانوا مثلهم، ويتشاركون معهم الانتماء نفسه، ولكنهم أبناء مذاهب وفرق لايجمعها إلا مظلة الإسلام.
ولكن من اليقين أيضاً أن أزمة فرنسا مع مهاجريها ومواطنيها الحاملين لجنسيتها، المولودين على أراضيها، من أبناء المستعمرات هي برميل بارود، الخشية من انفجاره ستبقى وستتعاظم، والمواجهة مع نتائج سياسة الدمج ستكون علة مزمنة، وومن المحتمل جداً أن يتحول التحقير والاستهزاء والنيل من مقدسات المسلمين فاكهة شهية لبعض وسائل الإعلام التي ستجد من يصفق لها، وينداح في أنفاقها المظلمة ومجاريرها الكريهة، وعفنها المدمر، لأنها تعبر عن حرية الرأي. ومن غير المؤكد أن التوجهات اليمينة والنازية الصاعدة في أوروبا، متضافرة مع وسائل الاستفزاز والتحقير للمسلمين في أوروبا وخارجها، ستجعل مواطني أوروبا المسلمين أكثر ارتياحاً، وأقل عنفاً وأعمق ولاء، وشعوراً بالاحترام.
ولكن أيضاً من المستبعد حتى الآن أن يتفوق المسلمون على أنفسهم ويتجاوزا أزمتهم التاريخية مع اليهود، وأبناء الديانات الأخرى، الإبراهيمية وغيرها، وأن يعوا تماماً أنهم لن يعيشوا مع العالم بسلام، وهم يدرسون ويلقنون ويشرحون النصوص التي ترسخ العداء والكراهية والتحقير لكل من سواهم. ومن غير المؤكد أن يستوعب غالبية المسلمين حتى الآن واجبهم تجاه معاناة غير المسلمين، والتعاطف مع كوارثهم، وجمع التبرعات لهم، وأن عليهم ألا ينتظروا من العالم الوقوف مع مآسيهم، وهم يتدثرون باللامبالاة تجاه غيرهم، وأن الرفض الصامت، واختيار الانكماش على الذات عندما يرتكب أبناؤهم الحماقات ليس رفضاً ولا موقفاً، بل هو إحدى اثنتين، إما الرضى، وإما اللؤم.